لمَ نرتبط بالزوج (أو الزوجة) الخطأ؟


لمَ نرتبط بالزوج (أو الزوجة) الخطأ؟

لعلّه يكون أكثر ما نخشى وقوعه على حياتنا. ونحاول تفاديه بأقصى ما نستطيع. ومع ذلك، نصل جميعنا إلى نتيجةٍ مفادها: “تزوجت بالإنسانـ (ـة) الخطأ”!
فكيف يحصل ذلك؟

السؤال الذي كان يجب أن نطرحه على أنفسنا من قبل ولوج عشّ (بل قل قفص) الزوجية هو:
هل يوجد زوجان على وجه الأرض راضيان عن بعضهما بعضاً؟
فمهما اجتهدنا في الحصول على شريك الحياة الأمثل، سيظل مفتقداً للعديد من الخصال التي نشتهي توفّرها فيه.

وهم اسمه “التجانس”

تجذبنا إلى بعضهم وسامتهم وجمال مظهرهم، أو تجذبنا سجاياهم وحسن أخلاقهم، أو يجذبنا اهتمامهم ودفء مشاعرهم. ورغم أنه قلّما تجتمع هذه الخصال كلّها، لكنها إذا اجتمعت سيكون الجذب جارفاً للحدّ الذي لا نتخيّل معه أننا قد نصل معهم يوماً إلى طريقٍ مسدود. ومع ذلك فإن هذا ما يحصل في كثيرٍ من الزيجات.

وحين يتفق اثنان على الزواج، يحسبان أنّهما أسعد اثنين على الأرض. ومع مرور أسابيع على عيشهما تحت سقف واحد، تبدأ سلسلة الخصومات بسبب أو بدون سبب. حتى يُخيّل لأحدهما أنه ارتكب أكبر خطأ في حياته باختيار العيش مع هذا الشريك. ونكتشف متأخرين أن: الوسامة والطيبة والثقافة شيئٌ، والحياة الزوجية شيئٌ آخر.

كيف توهّمنا من قبلُ أننا أسعد اثنين على وجه الأرض؟

حين تلتقي بأي إنسان للمرّة الأولى، ينشغل عقلك الباطن بالبحث عن أكبر عددٍ من الأمور المشتركة بينكما. تبحث عن خصاله الإيجابية التي تجذبك إليه. تبحث عما يتوفر فيه (أو فيها). قلّما تلفت انتباهك الجزئيات الصغيرة التي لا تتفقان عليها. يكون همّ كلّ منكما إرضاء صديقه وإمضاء وقتٍ ممتعٍ معه.
لكن حين تصبحان صديقين وتتخطّيا فضول مرحلة التعارف ومتعتها، تبدو لكلّ منكما سلبيات الآخر، لكن المحاسن تلعب الدور المهم في إذكاء علاقتكما أو فتورها.

خلال التعارف بهدف الزواج، يكون كلا الطرفين واقعاً تحت تأثير الوحدة، وعلى استعداد كبير للتساهل حيال الكثير من الحاجات المستحقّة. يبحثان جاهدين عن التجانس والتوافقات، ويهربان من الحديث عن التنافر والفروقات. لكن بمجرد الزواج، تتغير نظرة العقل الباطن من البحث عن التوافقات إلى التحقق من توّفرها والاستمتاع بها. فإذا قصّر أحد الزوجين في أمرٍ، ولو عن غير قصد، استشاط الآخر غيظاً واغتمّ كرباً ومرض حزناً.

وذلك يتفق مع هرم الحاجات الأساسية الذي وضعه العالم النفسي إبراهام ماسلو، الذي يبدأ من ضمان البقاء والأمن في القاعدة، مروراً بالحب والانتماء، وصولاً إلى الكبرياء وتحقيق الذات في القمة.

وهمٌ اسمه “الحب الواعي”

لا حبّ مع الوعي، والوعي يفرّ من الحب.لأن الوعي يرسم المسافة التي تفصلك عن أي إنسان تقابله. والحبّ يلغي المسافات ويُعمي عن الفوارق بين المتحابين.

ولهذا يصعب على العقلانيين أن يقعوا في شراك الحب. ولو أنّهم وقعوا، فسرعان ما يخرجون منها. إمّا باختيار الفراق. وإما باختيار العيش في ظل علاقةٍ اسمية لا روح فيها، يتنسى لهم معها التنصّل من أكثر التزاماتهم العاطفية. أكثر ( المبدعين ) فضلوا العزوبة على ارتباطٍ يحدّ من حرّيتهم من قدرتهم على الإنجاز.

فيما يحتاج العاطفيون دوماً للاهتمام وإلى الحب. فإذا افتقدوه في البيت، بحثوا عنه خارجه. وإذا افتقدوه تحت مسمى الحبّ، بحثوا عنه تحت مسمّيات أخرى، نحن في غنى عن الإشارة إليها هنا.

طريقة التعارف المثلى

الزواج هو تفاعلٍ بين عنصرين كيميائيين مستقلّين مستقرّين في حالتهما الأصلية. غير أنّ المزيج الناتج من انصهارهما ببعضهما، يحمل مواصفاتٍ تختلف عن المواصفات الأصلية لكلّ منهما، مع أنه مركب من اندماج العنصرين ذاتهما. فحذار أن ينتهي بك الأمر أن تنصهر مع الإنسان الخطأ.

طريقة التعارف المثلى تكون بالبحث عن الفوارق، لا بتأكيد وجوه التوافق. اسأل شريك المستقبل بصراحة عن كلّ ما يتمنّاه ولا يراه فيك لترى إن كان بوسعك تلبيته. واطلب منه بصراحةٍ أيضاً كلّ ما تشتهيه نفسك ولا تجده فيه. ثم انظرا إن كان بوسع كلّ منكما إرضاء حاجات الآخر.

لتكن فترة الخطوبة فترة اختبار واكتشاف ومسؤولية، لا فترة لعب وتبادل مشاعر الحب الزائفة. إذا وجدتما خلالها أن لدى بعضكما بعضاً القدرة على الاستمرار، فاكتبا على ورقةٍ ما تتفقان عليه، كي لا ينسى أحد بعد زمن.

فهل يكون الحل الأمثل بالانفصال؟

ثق صديقي أن اختيار شريك الحياة لا يعدو عن اختيار إنسان تعاني معه بقية حياتك!
قد يتباين الناس غير أن المعاناة تبقى.لا يوجد زواج كامل وصحيح، وزواج فاشل. بل توجد حدود للتضحية التي يستطيع كلا طرفيّ العلاقة تقديمها. فيما يعجز عن تقديمها أزواج آخرون.

إنّ “وهم” العيش مع زوجةٍ أو زوجٍ “مثالي” لا تكفي. غالباً ما ينتهي الأمر بك أن تعيش مستقلّا، أو تنتهي إلى الاستقلال بعد زواج فاشل. غير أن فشل أحدكما في رفع الهمّ أو الحزن عن الآخر ليس سبباً كافياً للفراق. فهناك دوماً أسبابٌ بوسعنا الأخذ بها للحفاظ على بيت الزوجية، إذا وجدت إرادة التضحية بين الاثنين.

الخلاصة

الحبّ، في حدّ ذاته، شرط لازم لبلوغ التجانس بين الاثنين، ولكنه غير كافٍ لاستمراره لسوء الحظ.
وأما معسول الكلامِ عن الحبّ الذي لا تواكبه القدرة على التضحية من قبل طرفي العلاقة، فهو لا يشيد غير بيتٍ واهٍ أشبه ببيت العنكبوت.

والإنسان الأنسب ليس هو من تجد عنده أغلب ما تشتهيه.
بل هو ذاك الذي لا يهجرك مليّاً إذا اختلفت معه، مغلقاً أبواب الحوار حتى تعتذر له.
وهو ذاك الذي يستطيع أن يكلّمك بصراحة ووضوح حول مخاوفك ويبدي تفهّمه.
وهو ذاك الذي تجد عنده القدرة على التضحية، ورغبة الحفاظ على رابط الأسرة.
وهو ذاك الذي يكون قادراً على العطاء، رغم جميع الفروقات أو رغم الخلافات بينكما.


    Like it? Share with your friends!

    mm
    مهندس ومصمم غرافيك مهتم في الكتابة والانفوغرافيك المتعلقة بتقويم وبناء الذات بما يخدم المجتمع العربي