ساعة جاءني زائراً


ساعة جاءني زائراً

هو: – أودّ لو أعرف ما يحول بينك وبين تحقيق أحلامك؟
أنا: – الظروف لا تدع لي وقتاً أسعى فيه وراءها، ولا تبقي معي نقوداً تعينني على القيام بها.
هو: – أترجو أن تتغير ظروفك نحو الأحسن؟
أنا: – أشتهي اليوم الذي يتغير فيه اتجاه الريح من العصف عكسي إلى العصف معي لتدفعني.
هو: – وأنا أراك تنتظر المستحيل.
أنا: – ألَدَيك شكٌّ في إمكانية تغيّر ظروفي؟
هو: – الظروف ستتغير حتماً. غير أنّها إن لم تناسبك اليوم، فلن تناسبك غداً. إذ ستجد فيها ما يعيقك دوماً. ومشاغل الإنسان في ازدياد ما زاد عمره. والعاقل من لا يدع ظروفه تتحكم بمصيره.

أنا: – أتحسبُ أن بمقدوري أن أتناسى الظروف التي تشلّ حركتي، مع أني أعيشها كلّ يوم، ويحصل كلّ ساعة ما يذكّرني بها؟
هو: – وسيبقى الأمر كذلك ما دُمت تعيرها اهتمامك. ولا تهتمّ بمؤهلاتك وطاقاتك.
أنا: – مؤهلاتي شيءٌ، وظروفي شيءٌ آخر. وأنا لا أرجو سوى توفّر ما يشجّعني على الإقدام عليها بثقة.
هو: – إن أفضل وقتٍ لزراعة شجرة، مرّ قبل عشرين عاما. وإن زرعتها الآن، فلعلّها تبلغ بعد خمسة أعوام، ارتفاعاً تحلم به اليوم. بالتسويف تخسر حلمك وتبدّد عمرك. تملك طاقاتٍ لو توفّر بعضها لمن هو أقل حذراً منك، لصنع منها ظروفاً مختلفةً تماماً.
أنا: – ما ذنبي وقد تشربتُ الهيبة من المجهول منذ طفولتي؟
هو: – انظر صديقي إلى أكثر الناجحين، واقرأ سِيَرِهم. ستجد أكثرهم قد بدأوا من غير مال، وافتقروا إلى التعليم. بل إن بعضهم نشأ في بيئةٍ قاسية. غير أنهم حين لم يجدوا ظروفاً تعينهم على الحياة، صنعوها. لم يجدوا بُدّاً من الجرأة، فامتلكوا شجاعة المغامرة.
هو: – إذاً أنت تعترف أن الموضوع ينطوي على مخاطرة؟
الجرأة شيءٌ والتهور شيءٌ آخر. فارقٌ كبير بين من لم يجد سفن الانسحاب، فلم يرَ غير الإقدام سبيلاً. وبين من يحرق سفن الانسحاب بيده. لو نظرت إلى حياتك البائسة رغم كلّ ما تملكه من عناصر التفوق فيها، لوجدت نفسك محظوظاً بما يكفي لتحقق أكثر مما حقّقه أولئك.
أنا: – أتعني أن أنظر إلى مؤهلاتي وقدراتي ولا أنظر إلى مصاعبي؟
هو: – مصاعبك هي التي أنستك طاقاتك للحدّ الذي جعلك تحسب نفسك ضعيفاً أمامها. دعني أطلب منك أن تغلق عينيك وتفكّر في مسيرة حياتك وما حققته فيها. وفي التحدّيات التي واجهتك خلالها. ثم افتحهما وأخرج ورقةً بيضاء. واكتب على الحافة اليمنى منها، قائمةً بالمواهب الخَلقية والخُلقية والنّعم التي حباك الله إياها. ثم اكتب على الحافة اليسرى منها، قائمةً بالمهارات والخبرات التي اكتسبتها خلال حياتك. ثم زد إلى قائمتيك كلّ ما يخطر في بالك لاحقاً. واكتب في مركز الورقة تماماً وبخط عريض، حلمك الذي تنشده وتتمنى تحقيقه. ألصق الورقة فوق مرآة الحمّام، كي تكون أول ما تراه في الصباح وآخر ما تراه قبل النوم. هذا كفيل بجعل اهتمامك ينصبّ على حُلمك بدلاً من مشاغلك، وعلى مؤهلاتك بدلاً من مصاعبك.
أنا: – أتظن ذلك يجدي؟
هو: – إذا انطلقت من مؤهلاتك وطاقاتك، وركّزت اهتمامك على حُلمك لا على نقاط ضعفك، واتخذت القرار الحتمي بالسير في إثره، وثابرت في سعيك إليه من غير تخاذلٍ ولا تهاون، فستحقّقه لا محالة. وتذكّر مقولة كويلو الشهيرة: إذا طلبت شيئاً ما بقوّة، سيتآمر العالم في مساعدتك على تحقيقه.

وما إن أتمّ كلامه حتى انتفضت من مكاني، وخرجت راكضاً أنوي الاستقالة من وظيفتي التي هي سبب تقاعسي عن حلمي. وإذا بحافلة النظافة الكبيرة ترتطم بي بقوّة وأنا أقطع الشارع، فأردتني صريعاً.
فنهضت مذعوراً من غفوتي، وأنا أفكّر في ذاك الكابوس الوردي!


    Like it? Share with your friends!

    mm
    مهندس ومصمم غرافيك مهتم في الكتابة والانفوغرافيك المتعلقة بتقويم وبناء الذات بما يخدم المجتمع العربي