مشهد العقل الأخير


مشهد العقل الأخير

بقلم الاختصاصي في الارشاد الاجتماعي ماهر شبانه


في ريعان شبابه , ريعان حزنه وريعان فرحه,  يشيخ العقل قبل أوانه !
هل سمعت قبلاً كيف يشيخ الشباب ؟
وكيف تهزمنا أعصابنا في لحظات الشباب ,  ذروة القوة المفترضة   ؟
كيف ينحني ظهر عواطفنا في داخلنا بينما نحن نمشي منتصبي القامة مشدودي الظهر في الشارع ..يالك من شخص لديه كاريزما وحضور وثقة وجسد ممشوق , بينما أنت تعاني من آلام في ظهر عواطفك وضعف في سمع روحك وجفاف في أعصاب طموحك !!
وكم رأينا الكثير ممن هم في سن الشيخوخة ويتمتعون بشباب العقل !!


هكذا يشيخ شبابنا اليوم في عقولهم قبل أعمارهم و أجسادهم , ويخفون عن أهلهم وعن محيطهم بالكامل هذه الشيخوخة , فكم من رجل يعاني من زهايمر النساء اللواتي دخلن حياته من كثرتهن ؟ , وكم من صبية تعاني من خرف في علاقاتها مع الشباب الذين أصبحوا شكلاً غريباً في حياتها لا يشبه أبداً أي شيء تتمناه ؟هذه العجوزة الجميلة التي تنتظر الصدف العابرة لتعيد ولادتها من جديد إلى الشباب وكم نسمعها في أغلب العلاقات تهمس لشابها العجوز الجميل (معك ولدت من جديد) , ولم لا ؟ وهو الأفيون الجديد الذي تنتظره وفي كل يوم تتجرعه إلى أن يذهب فجأة ويعيدها لشيخوختها الفتية فتراها تتعكز على أي عاطفة عابرة وربما تتزوج من أول شيخ عابر , لتكمل بقية شباب جسدها , وشيخوخة عقلها معه .


/ قطـــــــــــــــــــــع /
بدأ مشهد العقل الأخير
كل كاميرات الانسان التي ترصد نفسيته وطريقة عمل عقله تعطينا صورة واحدة تسمى (التصور الذهني ) هذا التصور الذي نكونه حول أنفسنا ويساعدنا الأخرين في تكوينه أيضاً من خلال علاقتهم معنا ووصفهم لسلوكنا الظاهر أمامهم فنصل في منتصف العمر إلى السؤال الأهم : من أنا ؟  السؤال الأبسط , الأخطر , والأعقد , والمؤرق لنا … لا جواب ..لا جواب


نستجدي كل شخص يمكنه انقاذ وعينا حول أنفسنا ليقول لنا من نحن ! وتبدأ سلسلة العقل بالتراجع والعودة إلى دوائر تجاربنا الماضية , فكلما فشلنا في حب نعود لحبنا القديم  ,  وكلما فشلنا في عمل جديد نعود لعملنا القديم , هكذا حتى يصل العقل في طريقه إلى اللاهدف- اللاطموح -اللامبالاة واللا نجاح , وهنا يصبح عمله في أدنى طاقته ويصبح ضمور الادراك والوعي والتركيز شكلاً طبيعياً لمرحلة الشباب معلناً شيخوخة العقل .


إذاً:  لماذا تحدث شيخوخة العقل ؟
تحدث شيخوخة العقل نتيجة تأثر الشخصية منذ بداية تكونها بشكل التنشئة الأسرية التي تعوده على نمط حياة على هيئتها وتعارض معظم ما قد يبدعه العقل لتعيده إلى طاعتها الروتينية , فما أن يصل الشخص لمرحلة المراهقة حتى يتكفل العقل فقط باللهو و الملذات واشباع الجسد هاملاً أهم ما قد يحصل في هذه المرحلة وهو : إشباع العقل
اشباع العقل هذا يكون أوجه في مرحلة بداية الشباب وهنا تغيب الطموحات والأهداف لدى الكثير من الشباب فما أن يصلوا إلى مرحلة معينة تكون قد تكثفت فيها تجاربهم العابرة والمرحلية وينتبهوا لما فاتهم من أهم المراحل التي يجب أن يؤسسوا فيها لشخصيتهم وحياتهم فيعيشوا احساس الشيخوخة والعجز , وهنا يبدأ العقل مشهده الأخير نحو الموت السريري للطموح والعمل وفقدان الشهية لأي شكل من أشكال الحياة , أليس هذا ما تشتكون منه ليل نهار ؟
يقول جورج برنارد شو :” ليس أحفادي هم الذين أشعروني بأني عجوز , وإنما مجرد إدراكي بأني زوج لجدتهم “
وهنا نعود لفكرتنا حول إدراكنا للصورة الذهنية , هذا الادراك الذي هو نفسه الذي أشعر ” شو” بشيخوخته , فالشيخوخة هي تماماً ما يمكن تسميته  ” بالفساد الادراكي” وهنا لا يهم العمر بقدر ما يهم كم هو حجم ادراكنا لحياتنا وتفاصيلها والادراك هنا ينبع من مسؤولية يحدد مقدارها الطموح وشكل تعاملنا مع تصورات المستقبل وما نخطط له واحساسنا باللحظة الراهنة .


“خلصت دراسة أجريت في جامعة إدبنرة الاسكتلندية ببريطانيا إلى أن تعلم لغة ثانية يمكن أن يحمل تأثيراً إيجابياً على الدماغ حتى وإن كان بعد مرحلة البلوغ “
والسبب هنا أن الشخص يتمتع بفضل محاولته تعلم لغة ثانية لقدرات إدراكية أفضل بكثير وتحسن في الفهم و هذا أساسه النفسي هو التجديد وتنشيط العقل بقضايا جديدة وهذا ما ينقص الكثير من الشباب في هذه الأيام فهم لا يستخدمون العقل إلا في حدوده الدنيا ويهربون من مواجهة أي معضلة تحتاج لتركيز وادراك عقلي كبير والدراسة خير مثال ممكن أن نطرحه والذي يعود الطلاب على استخدم أسرع الأساليب للحصول على درجة النجاح دون بذل جهد عقلي أو حتى تجديد في أساليب تعلمهم بالرغم من اختلاف الاختصاصات والمراحل الدراسية بين الاشخاص .
كم هو محزن أن تجتمع بالكثير من العجزة في سن الشباب , والمحزن أكثر أن هؤلاء العجزة لم يصلوا للحكمة المطلوبة ولهذا لابد لكل شخص أن يعرف تماماً أن الحياة كمثل الأشجار المثمرة بحاجة إلى تقليم لأغصانها وبحاجة لأسمدة بشكل دائم وبحاجة إن لزم الأمر لقطعها وإعادة تطعيمها بهدف بناء شجرة مثمرة بعد أن عجزت من أن تنتج ثمارها .


ماذا لو فكرت بتقليم حياتك من جديد أو تطعيمها من جديد بطعم يجعل العقل وأنت في سن الشيخوخة في ريعان شبابه ؟
لن أنهي المشهد الأخير من مسلسل العقل بل سأتركه مفتوحاً لحياة جديدة
الآن .. يبدأ المشهد الأول من عالم العقل ..


    Like it? Share with your friends!

    mm
    ماجستير اختصاصي في الارشاد الاجتماعي ومدرب في التنمية البشرية مصمم لحقائب تدريبية وأدربها اهمها الكاريزما ، والهندسة النفسية لتحليل الشخصية ، والتشريح النفسي، استشاري اجتماعي ونفسي وماستر في البرمجة اللغوية العصبية، واعمل على تصميم مقياس ريختر العاطفي ضمن حقل الذكاء العاطفي / يمكنكم متابعة الصفحة الشخصية للمدرب على الفيسبوك من هنا والصفحة العامة من هنا