النوموفوبيا- الخوف من فقدان الاتصال بالشبكة !


nomo-phobia
nomo-phobia

” أضعتُ هاتفي مرّة، ولثانية، وبشكل غريزي بدأت بالبحث عن هاتفي لكي أجد هاتفي !! “

هذه كلمات أحد الأشخاص، تصف كل ما نريد قوله :

هناك ثلاثة آلاف فوبيا مسجّلة في أوراق الأكاديميات التي تهتم بالصحة النفسية، أحدث اسم أُضيف للقائمة كان ال Nomo-phobia أو الخوف من فقدان الاتصال بالشبكة بعدما سُجل في الـ DSM( المرجع الأول عالمياً في التشخيص النفسي ).

وهو أقرب للقلق منه للخوف بالرغم من الخيط الرفيع بينهما، واقرأ معي هذه الإحصائيات المفاجأة :

-77٪ ؜من الإناث و65٪؜ من الذكور لديهم نوموفوبيا.
-يتم تفقد الموبايل وسطياً كل يوم 34 مرة، في حالة النوموفوبيا يتم تفقده 10 مرات كل ساعة !
-61٪؜ من الناس يتفقدون هواتفهم الذكية في أول لحظات الاستيقاظ.
-75% من فئة الشباب يستخدمون هواتفهم في الحمّام.
-72٪؜ من المستخدمين يتشوشون ذهنياً بسبب التواجد بعيداً عن هواتفهم لدقائق معدودة !
-أول شيء يسأل عنه الناس عند انتقالهم أو زيارتهم لمكانٍ ما هو ال wifi ، وهؤلاء نسبتهم 66٪؜.
-30٪؜ من شريحة تمت دراسة عليها في بريطانيا نظروا في موبايلاتهم أكثر من الجالسين معهم في المطعم!
-قال الباحثون في المجلة العريقة Scientific American أنّ العلاقة مع الهاتف الذكي تشبه العلاقة بشريك الحياة حيث يتم تحفيز نفس المناطق الدماغية في الحالتين.

الملفت للنظر بدراسة قامت بها مؤسسة البريد البريطاني أنّ أغلب من يدعون أنهم يستطيعون التخلي عن الموبايل والعيش فترة بدونه كانوا يصابون بالتوتر والتشوش فعلاً عندما لا تكون أجهزتهم في أيديهم.

هذا مايحدث، عندما يُفقد الموبايل أو الاتصال الشبكي يضطرب الشخص ويتشوش ( متلازمة الاتصال الزائد ) ففقدان التواصل مع المعلومات و الأصدقاء، عدم القدرة على الاستمرار باللعب أو التصفح أو الرد على الرسائل، نفاذ البطارية، الدخول في مناطق خارج نطاق التغطية، كلها نتائج تجعل الشخص منزعج وغير ساكن وقريباً من هذه الفوبيا.

و عندما يتكلم المختصون النفسيون عن مصطلح (فوبيا) فالأمرُ إذاً جاد ويحتاج للتحرك، لأن إدمان الإتصال بالشبكة يفقد الإنسان جزءاً مهماً من توازنه النفسي وأحياناً رضاه عن ذاته، ويرفع مستوى التبلد الذهني بسبب الاعتماد المفرط على التكنولوجيا، ويؤثر على صحته الجسدية مباشرةً ( الإجهاد التقني ) و يتلاعب بكثير من الأحيان بالحالة المزاجية للشخص، و يؤثر على ذكاءه العاطفي كما أُكتشف حديثاً ( انفعالاته وعلاقاته )، والأهم أنه يمنعه من القيام بأنشطته الطبيعية أو أعماله المهمة أو مشاريعه التي تحتاج لمتابعة وتركيز وتكريس وقت.

المجتمع العلمي لا يملك حتى الآن وصفةً جاهزة للعلاج، في الحقيقة كل ما يقدمه مجموعة إرشادات ونصائح للحد من الآثار السلبية لهذه الفوبيا.

و أميل للاعتقاد بأن معظم مدمني الاتصال بالشبكة يعرفون تماماً مشكلتهم وربما يعرفون الحل ! لذا سأكتفي بسرد برنامجي الخاص- لو سمحتم لي- الذي جربته وأقطفُ ثمار تأثيره في حياتي الآن وشاركته مع مئات المتدربين الذي دربتهم، و أؤكد أنه لا يملك أي مرجعية علمية، إنما أسوقه كمثال فقط دون أن أُحوله لقاعدة يجب أن ينفذها الجميع، فلكلٍ وضعه وطبيعته الخاصة :

-إن كنتَ قد جربتَ ( إن لم تجرب جرب ) أن تجعل يوماً في الأسبوع خالي من التكنولوجيا الخاصة بشبكة الانترنت و الهواتف الذكية وشعرت بحاجةٍ مُلحة أو توتر أو أي ضجّة ذهنية فأنصحك بالإلتزام ببرنامج يشبه هذا البرنامج بأسرع وقت :

-حدّد وقتاً أقصى بشكل يومي للتواجد في شبكة الانترنت ( مثلاً ساعتين ).
-الأعمال المرتبطة بالانترنت والاتصالات الضرورية لا تحسب من هذه المدة.
-يوم كامل في الأسبوع كإجازة من أي اتصال بالشبكة، عدا الضروري جداً.
-٣ إلى ٥ أيام في الشهر دون أي اتصال بالشبكة، عدا الضروري جداً.
-٢٠ يوم إلى شهر سنوياً دون أي اتصال بالشبكة، كإجازة أعتبرها الأهم والأكثر فائدة بعد تجربة ٤ سنوات، وإن استطعتَ أن تنتهي مسبقاً من أي شيء ضروري ومُلح أو تقوم بتأجيله لمابعد الإجازة فتذكر أن هذا حقك و واجبٌ على نفسك و له مزايا عظيمة جداً سيدركها أي إنسان بعد المحاولة.

أشياء سريعة أيضاً :

-غالب من طبّق هذا البرنامج كرّر لي عبارةً أثرت بي كثيراً : ” أشعر الآن أنني أكثرُ حرية ” !

-المؤسف بالأمر، أنّ أي شيء لا نستطيع امتلاك زمامه يؤثر على أشياء أخرى في حياتنا، فيفلتُ منا زمام أمور أخرى ( كالانفعالات ).

-الجيد بالأمر، أنك إذا امتلكت زمام أمرٍ ما في حياتك فستتطور قدرتك تلقائياً على امتلاك زمام أمور أخرى.

-غالباً ترتبط النوموفوبيا بسمات نفسية سابقة، مخاوف أخرى، انطواء، إحباط، قلق اجتماعي، صدمة، عشوائية، الكفاءة الذاتية ..الخ، فمن الممكن أن نراقب من خلال النوموفوبيا حالات نفسية أخرى.

-الانترنت والهواتف الذكية وسيلة عظيمة لاينكرها أحد، نستطيع فعلاً اغتنام كل مزاياها الهائلة دون أية آثار جانبية.

سأختم بعبارات “بيكو لاير” في أحد مؤتمراته العالمية :

” في عصر السرعة ما من شيء أكثر متعة من التحرك ببطء، وفي عصر الذهول ما من شيء أكثر فخامة من الانتباه، وفي عصر الحركة المستمرة ما من شيء أكثر استعجالاً من السكون ”

لـ : أحمد فارس العلي


    Like it? Share with your friends!

    mm
    حقوقي، و يحمل شهادة دراسات عليا في إدارة الأعمال، مهتم بالفكر والعلوم، مؤسس مجموعة بداية للتدريب والاستشارات التنموية والإدارية، ويعمل كمدرب فيها ومحاضر محلي في سوريا في المراكز والجامعات ، ضيف تلفزيوني وإذاعي شبه دائم. لمتابعة الكاتب على الفيسبوك انقر هنا