أربع حكايات حدثت معي … تدل على أنني سأكون فقيراً!


أربع حكايات حدثت معي … تدل على أنني سأكون فقيراً
(من كتاب كنت فقيرا)

جاءت أمي توقظني ذات صباح وهي تهتف : يا حبيبي … إن الساعة السابعة والنصف، لقد تأخرت كثيرا.
ولأني أدري أنها تفعل معي دوما نفس الموقف، وأدرك أن الساعة ما تزال عند السادسة، فلم أكترث وأدرت ظهري لأكمل نومي في مشهد طفولي بسيط، لكنها كانت تقول الحقيقة يومها وتأخرت كثيرا.

عندما أعود بالذاكرة لاستعراض ذلك الموقف وبعض المواقف المشابهة له كنت أتذكر حكاية أحد علماء الحديث الذين كان يتحرى الدقة في كتابة حديث عن رسول الله صلي الله عليه وسلم وقد ارتحل من المدينة المنورة إلى البصرة بالعراق (ما يقرب من 1400 كيلو متر) ليتلقى حديثا من أحد الرجال بتلك المدينة الأخيرة، ولما وصل رآه يُوهم فرسه بأن هناك شعيرًا في ثيابه فلما اقترب منه لم يجد شيئا فعدل عن سؤاله ولسان حاله يقول : “الذي يكذب على فرسه، ليس أهلا أن ينقل حديثًا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم”.

لكن تلك الحادثة لم تُغذي عندي سماع الأخبار الكاذبة من المقربين لي فحسب، بل فعلت شيئا آخر في قناعاتي وهو الاستهتار بقيمة الوقت والذي ظهر فيما بعد عندما كان ينفرط الوقت مني دون أن أدري في أي شيء مضى بالرغم من كوني مشغولا.

استيقظت ذات صباح على خبر مؤسف لأحد الجيران وقد احترقت سيارته ودون التطرق لسبب ذلك الحادث، بادرني والدي قائلا : مال حرام، لا يركب السيارات أساسا غير اللصوص، لو كنت لصًا لكان لدينا سيارة ومنزلا تمليك.
كان والدي يفتخر دائما بأنه ليس ثريا ولا يمتلك سيارة أو منزلا معللا ذلك بأنه شخص شريف ونزيه وأن كل من يمتلك سيارة ورصيدا في البنك يزيد عن مستوى طموح والدي فهو لص بلا شك.
كانت تلك الحادثة وأنا لم أتجاوز المرحلة الابتدائية بعد والتي تعتبر مرحلة وعي ومراقبة لتكوين الشخصية المستقبلية، ومما لا شك فيه أن ذلك الموقف كان قد سبقه مواقف أخرى صغيرة بشكل متفرق.

كنت ماهرًا في كتابة الشعر والقصص الرائعة – بشهادة كل زملائي – لكن كان لوالدي رأي آخر، وهذا الرأي كان واضحا عندما أتممت شهادة الثانوية ورفض رغبتي بأن أدرس ما أحبه بل وسخر مني أيضا
دائما كنت أخبر والدي أن لدي أحلام وطموحات وكان رده دائما أن كل تلك الأحلام ما هي إلا أماني، وأن الواقع شيئا آخر وأنه يدرك أكثر مني ما يجب أن أكون عليه وأنني لا أعرف فعلا الصالح لي.
كان تكرار تلك العبارات يكون بشكل دائم كلما حاولت أن أتمرد قليلا وأن أبوح بحلمي فقط، أو أن أفعل شيئا مخالفا لما يقوله لي. وكان عليّ أن أستسلم.

قضى أحد أعمامي فترة كبيرة للعمل بالخارج، لكنه لم يكن موفقا في عمله أو في محاولاته المستمرة والتي استمرت على مدار سنوات. لكن عندما سافر خالي للعمل بالخارج أيضا استطاع أن يحقق نجاحا وثراءا لا بأس به، هذا الأمر جعل والدي يلقي الاتهامات على خالي بأن ما فعله مشكوك فيه، فلا يُعقل أن يقضي عمي أضعاف ما قضاه خالي ولا يستطيع أن يحقق عُشر ما حققه
ونظرا لشخصية والدي القوية وصوته المرتفع الذي لا يعلو فوق صوته صوت، ترسخت هذه الفكرة في ذهني وهو أن عمي نزيه ويبحث عن الحلال دائما بينما خالي – رُبما – قد سلك سُبلا غير شرعية كي يصل إلى ما حققه، بل الأدهى أنني آمنت بأن الحلال لا يحقق أي ثراء.
أنا على يقين أن كل ما سبق على سبيل المثال فقط، ورُبما قد تحمل في ذكرياتك الكثير من المواقف التي ربما قد تؤثر بشكل أكبر. لكن ما أقصده هنا أننا قد تعرضنا وتجرعنا الكثير من الأساليب والأفكار التي جعلتنا مؤهلين بكل جدارة لأن نعيش فقراء ومن يعي ذلك من الآن ينبغي له ألا يكون متعجبا لماذا يعيش فقيرًا؟

لقد تربينا على أساسيات لطريق الثراء حيث يكمن في اتجاهات محدودة للغاية :
لعب القمار أو الفوز في الياناصيب : لكن المشكلة إذا كان الحظ سيئا، بالإضافة إلى حرمانية مثل هذه الممارسات.
الزواج من شخص غني : سوف تصير في لحظة ثريا لارتباطك بشخص ثري، لكن غالبا ما يُخيم الحزن لارتباطك بشخص لا يوجد بينك وبينه عاطفة.
تعلم الاحتيال : الاحتيال أو المهن المثيرة للجدل ربما تكون سبب في ثراء سريع، لكنها تبقى أنها غير مأمونة العواقب كما أنها تعتبر خروجا على القانون ونهايتها سيئة.
الميراث : وتعتبر تلك الطريقة آمنة وشرعية، لكن يبقى أنه لا أحد يدري من يرث أولاً.


    Like it? Share with your friends!

    أحمد رامي
    مهندس وباحث بالعلوم الإنسانية ومدرب تنمية بشرية ومؤلف كتابي ابدأ حياة رائعة وكنت فقيرا