النفايات النفسية


النفايات النفسية
النفايات النفسية

بقلم الاختصاصي في الارشاد الاجتماعي ماهر شبانه

لن يطيب لك أن تسمع بمصطلح النفايات , أعلم هذا , ولربما سوف تستنشق من ذاكرتك كل الروائح الكريهة التي استفزها هذا المصطلح ..

لكن ماذا لو قال لك شخص أنك تملك في أعماقك النفسية آلاف الأكياس المتراكمة من القمامة النفسية ؟!

تمهل قليلاً :ماهي الكآبة , الحقد, الكره, الغدر, الحزن الشديد, الخيبة, الظن السيء… إلخ ؟ أليست هي بمثابة نفايات نفسية تفوح رائحتها من السلوك البشري الواضح ؟

أليس أولئك الأشخاص من اساؤوا لك في الماضي كلما حضروا في البال تستبعدهم وأنت مشمئز من ذكرهم وكأنك بالفعل تشم رائحة كريهة ؟

نعم , هي رائحة النفايات التي مازالت تقبع في الذاكرة ,ولم تقم بإرسالها خارج منزلك وخارج مطبخ التجارب والمخازن التي تحتفظ بها.

حسناً , لابأس ببعض العطور نرشها في المكان كي نستطيع إكمال هذا المقال

ونقول : تبدأ الغرائز البشرية, كما هو الحال في الغرائز الحيوانية , بإفراز مخلفات صراعاتها والتي تحصل في أساسها مع ما يسمى منطقة الوعي الحذرة من تشويه سلوك الانسان أمام ضميره وأمام العادات والتقاليد الاجتماعية والدين وكل العوامل التي تعمل على ضبط السلوك البشري نسبياً بين بيئة وأخرى , وفي عموم الحال تأتي جميعها تحت مسمى ” الأخلاق “, والتي تميز في جوهرها بين الغرائز البشرية والغرائز الحيوانية من حيث أنها يجب أن تُشبع بشكل مهذب ومقبول لا يخلو من الحياء واحترام المعتقد الاجتماعي السائد أو ما يسمى الوعي الجمعي , مخلفات الصراع هذه تكون في غالبها سلبية , في بعضها صدمات قاسية تُخلف وراءها تشوهات نفسية وتجارب ميتة, كما تفعل الحروب في الواقع, هذه المخلفات يتم عند أغلب البشر تخزينها ضمن تقنية تسمى في المجاز النفسي ” الكبت” ,تقنية الكبت هذه هي آلية يلجأ إليها ” العقل الباطن” كونه لا يستطيع إخراجها للعلن بسبب رقابة الوعي الشديدة عليها, وبالتالي لابد ومع مرور الزمن وتكدس المخزون أن تبدأ فعلياً الروائح بالظهور عنوة في السلوك , بعضها يظهر على شكل سلوكيات شاذة غير سوية ,أو على شكل عقد نفسية ,أو مشكلات حياتية غير مفهومة , قد تصل لحد الطباع السلبية وفي حالات مخففة على شكل تنفيس في الأحلام أو السلوكيات التنفيسية السريعة كالحركات اللاإرادية أو الرغبات الظاهرة , وبعض هذه التكدسات للتجارب ربما يمكن تشبيهها بمثل النفط الذي يتشكل من تخمر العناصر المكدسة عبر عشرات السنين ويمكن لها أن تكون مصدراً للإبداع كحالة تنفيس ايجابية من منشأ سلبي تلائم الوعي الجمعي ويسمى بـ(التحوير النفسي)

ولذا يجب أن نحسم هذا الصراع الذي يسبب تراكم هذه النفايات النفسية ,و جميعنا بحاجة لنقوم بها , فما الذي علينا فعله إذاً؟

أولاً : لنبدأ بالجانب الوقائي , وهو المداومة اليومية على التفريغ النفسي باستخدام أبسط طرق التفريغ النفسي وهي تقنية بسيطة تستلزم احضار قلم وورقة بيضاء غير مسطرة وجو هادئ يخلو من المشتتات البصرية أو السمعية , نبدأ بتحديد عدد أوراق أو وقت معين ونبدأ بالكتابة عن أشياء أزعجتنا أو بمجملها سلبية مرت في يومنا كله , يشترط في هذه التقنية أن لا يتوقف الشخص عن الكتابة أبداً , وأن لا ينظر مطلقاً لأي كلمة يكتبها , وأن يقوم بتمزيق الورق او التخلص منه عندما يفرغ من الكتابة بالشكل الذي يريحه , هذا تماماً يشبه حالة التنظيف اليومي من القمامة النفسية إلى خارج النفس , ومن الأفضل كتابة أشياء إيجابية تحبها بعد العملية الأولى وهي بمثابة المنظفات التي تعطر نفسك وتحفزها وتعطيها الراحة والسكينة.

ثانياً : وعلى صعيد العلاج,  حين تنتبه أنك تملك سلوكيات سلبية والأخرين دائماً يوجهون لك النقد بسببها , فأنت أمام خيارين: الاستعانة بمختص, أو أن تقوم بتحديد السلوك السلبي الذي تملكه وتدون ماهي أسباب هذا السلوك ماهي ايجابياته وسلبياته ثم ضع مقابله سلوك ايجابي يعاكسه وحاول أن تجعل مكاسبك في الحالة السلبية تنتقل للحالة الايجابية وبهذه الحالة فأنت لم تخسر المكاسب وكسبت سلوك جديد وايجابي .

في كل يوم ومنذ لحظة استيقاظك فأنت تصنع بنفسك إما جنة خضراء أو خرابة لا يعيش فيها سوى الشر والموت النفسي ,وأعتقد جازماً أنك تفضل الخيار الأول ,هذا ما أسمعك تعدني به .

 


    Like it? Share with your friends!

    mm
    ماجستير اختصاصي في الارشاد الاجتماعي ومدرب في التنمية البشرية مصمم لحقائب تدريبية وأدربها اهمها الكاريزما ، والهندسة النفسية لتحليل الشخصية ، والتشريح النفسي، استشاري اجتماعي ونفسي وماستر في البرمجة اللغوية العصبية، واعمل على تصميم مقياس ريختر العاطفي ضمن حقل الذكاء العاطفي / يمكنكم متابعة الصفحة الشخصية للمدرب على الفيسبوك من هنا والصفحة العامة من هنا