نظرية الأوتار الفائقة؛ حيث هناك أحد عشر بُعدًا في الكون

 

من السهل على أي إنسان معرفة وإدراك الثلاث أبعاد الأساسية؛ الطول، العرض، والإرتفاع، وربما يسهل على البعض إدراك البعد الرابع أيضًا وهو البعد الزمني؛ لكن هل هذه هي كل الأبعاد الموجودة في الكون؟ نظرية الأوتار الفائقة لها رأي آخر.

نظرية الأوتار الفائقة

تعتبر نظرية الأوتار الفائقة أهم النظريات الحديثة التي تحاول حل مشكلة الجاذبية الكمية، حيث فسرت نظرية ميكانيكا الكم القوى الثلاث في الكون وهي: القوى الكهرمغناطيسية، والقوى النووية الضعيفة، والقوى النووية القوية؛ لكنها لم تحتوي على قوة الجاذبية التي نجدها في النظرية النسبية لآلبرت أينشتاين؛ وهذا ما يسمى بمشكلة الجاذبية الكمية.

أما نظرية الأوتار الفائقة؛ فهي محاولة لتوحيد الجسيمات الأساسية الأثنى عشر (ستة كواركات، وستة لبتونات)، بالإضافة إلى القوى الأساسية الأربعة؛ الكهرومغناطيسية، والقوى النووية الضعيفة والقوية، وقوة الجاذبية.

 

بداية فكرة الأبعاد

في عام 1919م؛ اقترح عالم رياضيات مغمور يدعى «تيودر كلوتزة» فكرة غاية في الجرأة والغرابة؛ وهي أن كوننا هذا قد يحتوي على ما هو أكثر من الأبعاد الثلاثة التي ندركها جميعًا. فربما يكون هناك أبعاد إضافية أخرى ولسبب ما لا نشعر بها، وقد كان لهذه الفكرة أبلغ الأثر في الفيزياء خلال القرن الأخير.

وكما نعلم أن العلم متسلسل؛ فكل عالم حديث في أي مجال يقوم ببناء نظريته أو فكرته على فكرة العالم الذي قبله. لذا سنعرض معًا بشكل سريع ما هو التسلسل الذي أوصل «تيودر كلوتزة» إلى هذه الفكرة.

 

محاولات نيوتن وآينشتاين لفهم الكون

في عام 1600م، قام العالم «نيوتن» بتقديم نظريته عن الجاذبية إلى العالم حيث كانت النظرية آنذاك ممتازة في شرحها لحركة الكواكب والقمر، وسقوط الأجسام على الأرض.

لكن «آلبرت آينشتاين» أدرك أن نيوتن أغفل شيء ما في نظريته، لأن نيوتن نفسه كتب أنه وبالرغم من فهمه لكيفية حساب تأثير الجاذبية؛ إلا أنه كان غير قادر على فهم كيفية عملها فعلًا. كيف يمكن للشمس التي تبعد عنا 150 مليون كيلومتر أن تؤثر في حركة الأرض؟ كيف يحدث هذا عبر فراغٍ خالٍ ليطبع تأثيره في النهاية على الأرض؟

كرّس آينشتاين نفسه لفهم ماهية الجاذبية، وتوصل إلى أن الوسط الذي ينقل الجاذبية هو الفضاء نفسه، وتخيل أن الفضاء عبارة عن سطح مستوٍ وأملس في غياب وجود المادة، وعند وجود جسم مادي في هذا المحيط كالشمس أو الأرض أو أي جسم مادي آخر؛ يؤدي هذا إلى انحناء وتقوس في الفضاء، وهذا هو ما يجعل الجاذبية تنتقل عبر الفراغ.

فمثلًا القمر أسير في مداره حول الأرض لأنه يتحرك في الانحناء الذي سببته الأرض في هذا النسيج التخيلي. والأرض كذلك أسيرة في مدارها حول الشمس بسبب الانحناء الذي تسببه الشمس في هذا النسيج التخيلي. كانت هذه أول فكرة تُطرح لفهم ماهية الجاذبية، وتم التأكد من صحتها بالفعل.

 

اقرأ أيضاً : تحميل كتاب السر الكوني – قانون الجذب


حلم النظرية الموحدة؛ نظرية كل شيءكان «كلوتزة» مثل «آينشتاين»؛ يحلم بنظرية موحدة لتفسير كل قوى الطبيعة. فكما فسر آينشتاين الجاذبية بأنها تقعر أو انحناء في النسيج الزمكاني؛ حاول كلوتزة أيضا تفسير القوة الكهرومغناطيسية –وكانت هي والجاذبية القوتان المعروفتان حينها- على أنها تقعر أيضًا لكن في بعد آخر مختلف عن أبعاد المكان والزمان… لكن أين ذلك البعد الخامس؟

تمت الإجابة على هذا السؤال عام 1926م عن طريق «أوسكار كلاين»؛ حيث أشار إلى أن الأبعاد تتشكل في نمطين مختلفين، وهما الأبعاد الكبيرة التي تسهل رؤيتها، وأبعاد أخرى غاية في الضآلة.

من المعروف أن أي جسم مادي يتكون من ذرات، وفي هذه الذرات توجد إلكترونات تدور حول نواة مركزية مكونة بدورها من نيوترونات وبروتونات، وحتى النيترونات والبروتونات مكونة من دقائق أصغر تُعرف باسم الكواركات.

إلى هذا الحد تتوقف النظريات الأساسية؛ لكن نظرية الأوتار الفائقة أضافت: أنه بالتعمق في داخل هذه الكواركات يوجد خيوط من الطاقة، والتي تبدو كأوتار مهتزة، تهتز في أطوار مختلفة مُشكّلة توليفة من الجسيمات التي يتكون منها الكون من حولنا.

بهذه النظرية أصبحت الجسيمات المادية كالإلكترونات والكواركات، والجسيمات الموجية كالفوتونات والجرافيتونات؛ جميعها مكونة من وحدة بناء موحدة.

بالتالي؛ فإن جميع قوى الطبيعية المادية منها والموجية، توحدت تحت سقف نظرية واحدة وهي الأوتار الفائقة.

 

عند دراسة البنية الرياضية لهذه النظرية؛ ستجد أن هذه النظرية لا تصلح للعمل في كونٍ ثلاثي الأبعاد فقط أو حتى رباعي أو خماسي؛ بل تصلح النظرية فقط في حال وجود عشرة أبعاد مكانية، وبعد زمني واحد؛ أي في المجمل أحد عشر بُعدًا!

 

مفاعل سيرن

الطريقة العملية للتأكد من مدى صحة نظرية الأوتار الفائقة، والأبعاد المكانية الأحد عشر؛ هي مفاعل سيرن. وهي آلية تُدعى أيضًا مصادم الهادرونات الكبير وهو عبارة عن أنبوب دائري طوله 27 كيلومتر، وعلى عمق 175 متر تحت الحدود الفرنسية – السويسرية بالقرب من مدينة جنيف.

مفاعل سيرن عبارة عن آلة ضخمة تقوم بإرسال جسيمات حول قناة في اتجاهات معاكسة تقارب سرعة الضوء؛ حيث تتجه هذه الجسيمات ناحية بعضها البعض محدثة تصادمًا مباشرًا بهذه السرعة والذي ينتج عنه شظايا. إن كانت طاقة التفاعل كافية؛ تُقذف بعض شظايا هذا التصادم إلى أبعاد أخرى.

يتم التأكد من هذا الأمر عن طريق قياس كمية الطاقة بعد التصادم ومقارنتها بكمية الطاقة قبله. فإن كان هناك نقص في الطاقة بعد التصادم عما كان عليه قبل التصادم؛ فسوف يكون هذا دليلًا على انتقال الطاقة إلى بعد آخر، ويكون هذا برهانًا على وجود أبعاد إضافية.


وفي النهاية؛ اتضح لنا أنه كلما درسنا الكون عن قرب وبأدوات أكثر تطورًا؛ كلما اكتشفنا رؤية إضافية وجديدة للطبيعة تفسر لنا وجودنا في هذا الكون السحيق.

 

اقرأ أيضاً :