نقوم طوال حياتنا بوضع أهداف لأنفسنا سواءً على المدى البعيد أو القريب. ولكن مهما أتقنت التخطيط، ستفاجأ بما يخبئه لك القدر.
ستكون هناك نقاط تحول رئيسية في حياتك كالدّخول إلى سوق العمل والزواج واستقبال أول طفلٍ لك ستجلي لك بصرك وتزيد من تركيزك على أهدافك. هذه الأَهداف تقودك إلى التّركيز ومع ذلك وعلى نطاق أصغر وبدون أن تدرك ذلك، أنت تعمل باستمرار على تقييم تجاربك فيما يتعلق بكيفية تأثيرها على قدراتك لتحقيق تلك الخطط الكبيرة لديك.
التَّخطيط للمستقبل فكرة رائعة لأنها تساعد على اتخاذ قراراتٍ بشأن ما يمكن أن تفعله أو لا تفعله لتبلغ غاياتك. وكأي خطة، من الوارد جداً أن تحدث تغييراتٍ غير متوقعة، وهي بدورها إما أن تساعد أو أن تعرقل تحقيق أهدافك. قد تكون التغييرات من قبيل الصّدف، كأن تصاب بجروح أو أن تفقد منزلك في اندلاع حريق. ربما تعكس هذه التغيّرات ميولك في أولويات الحياة. فدقات سّاعتك البيولوجية هي أوضح مثالٍ على ذلك، عندما تتزايد رغبتك بأن تصبح أباً إذا ما اقتربت من الحدود العليا من سن الإنجاب.
بإمكان التغيّرات الطارئة على خطط حياتك أن تُرى من زاوية سلبيةٍ أو ايجابية. عادةً نعتبرها ايجابية عندما تساعدنا في الاقتراب من أهدافنا المهمة، وبالمقابل نعتبرها سلبية إذا ما كانت عائقاً في سبيل تقدمنا. وقد تفاجأ احياناً بتحول تغيّر كنت تراه بأنه أمر سلبي إلى تغيير يجعلك أكثر قرباً من هدفك في الحياة. فمثلاً بعد تعرضك لإصابةٍ ما، قد تستغرق وقتاً طويلاً في اتباع نظامٍ للتّمارينٍ الرياضية، ولكن مع مرور الوقت، ستجد تحسناً في استقرار حالتك وصحتك. وعلى الرغم من أنك أُجبرت على أن تسلك مساراً مختلفاً للوصول لغايتك، ولكنك عدت إلى المسار الذي أردت بأداءٍ أفضل.
وسنذكر في هذا السياق بعض البحوث المثيرة للاهتمام حول مفهوم الصَّدمة المهنية. تركز العديد من نظريات التَّنمية المهنية على كيفية قيام الفرد بتحقيق هدفه المهني من خلال القرارات التي يتخذها. على سبيل المثال، تقترح نظرية RIASEC أن يسعى الفرد دوماً إلى إدخال تغييرات على مسار حياته المهنية ليحقق التطابق بين شخصيته وبين بيئة عمله. ومع ذلك، فقدت أثبتت هذه النظرية فشلها. فالوظائف التي تتناسب مع شخصيتك قد لا تكون بالضرورة متوفرة، وعلاوة على ذلك، تتجاهل هذه النظرية تأثير القوى الخارجية على الوظائف، مثل التسريح لتقليص عدد الموظفين، أو الاضطرار إلى الانتقال لمكان أو عمل أخر لمواكبة تغيير وظيفة شريك حياتك.
تحدث الصَّدمات المهنية السَّلبية عادةً عند تقليص عدد الموظفين أو حدوث تغييرات بسبب بعض الزملاء أو بسبب قوىً خارجية. كما ويمكن أن تحدث الصَّدمات المهنية الإيجابية عندما لدى الحصول على تشجيع أو زيادة الراتب قبل الوقت المتوقع.
قرر فريق من جامعة Scott Seibert التصدي لهذا الحد من نظريات التنمية المهنية بالتركيز على خطوة يتخذها معظم الناس، ألا وهو الالتحاق ببرامج الدراسات العليا. كما وتناولوا فكرة الصدمة المهنية، حيث عُرفت بأنها أي حدث يؤدي إلى تغيير جذري في المهنة مثل السعي لمزيد من التعلم أوتغيير المهنة. تحدث الصدمات السلبية عادةً لدى تغيير رأس الهرم الإيجابي في العمل أو نتيجة لقوىً خارجية .بينما تحدث الصدمات الايجابية عندما يحصل الشخص على ثناء او زيادة مفاجئة في الراتب.
قام فريق جامعة Seibertباستطلاع شامل على ما يزيد عن 1300 من خريجي الكلية بعد خمس سنوات من حصولهم على درجة البكالوريوس وانخراطهم في سوق العمل. وأجاب المشاركون عن تساؤلات حول أهدافهم المهنية ومخططاتهم و رضاهم الوظيفي، بالإضافة لنّيتهم مواصلة التدريب الجامعي. كما وأجابوا على “استبيان الصَّدمة الوظيفية” وحددوا مدى تأثرهم بالصَّدمات، سواء كانت إيجابية كتلقي ثناء غير متوقع أو فرص مغرية أو زيادة في الراتب أو سلبية كالتّغيير التّنظيمي أو عدم تلقي تشجيعاً متوقعاً.
بعد عامين، قام الفريق بمقارنة ما قال المشاركون أنهم يودون فعله مستقبلاً وبين ما فعلوه في الواقع.
وأظهرت النّتائج أن الصّدمات السّلبية الوظيفية أدت إلى ميل أكبر لمتابعة الدّراسات العليا. ويبدو أن الدّعم الوظيفي الإيجابي يعطي الشخص ثقة أكبر بالنفس وهذا بدوره يدفع إلى طلب مزيد من التّعلم والتّدريب. وبالتالي لم تعد لديهم تلك المخاوف بشأن مدى ملائمتهم للعمل، بل أصبحوا يتطلعون لأهداف أعلى.
إذاً تؤثر الأحداث العشوائية على مسارات حياتنا، قد تحدث فجأةً، فتغير منظورك إلى لخطط حياتك. هذه خطواتٌ ناجحة بالنسبة للمهن وفقاً لأبحاث جامعة Seibert. لكن، ماذا عن العلاقات الاجتماعية؟ ربما عملية مماثلة ستقوم بذلك.
كثير من الأشخاص يخططون للإرتباط بشريك حياتهم في أواخر العشرينات أو أوائل الثلاثينات من أعمارهم. قد تلتقي بشخص في عشريناتك، شخصٌ يهز عالمك ويقلبها رأساً على عقب. ولكن، حتى وإن لم تنتهي هذه العلاقة بالارتباط، فإن علاقة الإحترام المتبادل ستنعكس بشكلٍ إيجابي. على العكس من ذلك، إذا ما اتصف الطرف الآخر بعدم الوفاء وأراد إنهاء العلاقة بينكما؟ ستؤثر الصدمة الناتجة عن علاقتما الفاشلة على احترامك لذاتك، وقد تغير نظرتك -بمرحلة معينة من حياتك- تجاه أهدافك لتكوين أسرة.
لا تعالج هذه الدراسة تأثيرات النكسات على الأشخاص. لكنها تثبت أن التغيير ممكن وفعّال، وعندما لا تسير الأمور كما هو مخطط لها، بإمكانك دوماً اكتشاف مسارات بديلة لتحقيق ذاتك.
ترجمة:غادة عبدالله جود
تدقيق: سميره المصطفى
تدقيق لغوي : راما الشامي
تنسيق : محمد الصواف
اقرأ المزيد هنا في هذه الروابط:
الرؤية والرسالة والهدف لمستقبل مشرق
تدريب عملي لاستبدال الأفكار السلبية بأفكار إيجابية
كيف تحول المشاعر السلبية إلى قوة ايجابية بذكاء