طفلي ضحيتي .. وأنا كنت الضحية


طفلي ضحيتي .. وأنا كنت الضحية
بقلم الاختصاصي في الارشاد الاجتماعي ماهر شبانه


نعم سأخاطبكم اليوم بلغة الضحية والضحايا , سأخاطبكم باسم جرائمنا “الجميلة” التي باركناها كما باركها الذين من قبلنا علينا , أخاطبكم باسم هذا الوجع الذي يكبر على هيئة طفل يسمى مجازاً ” إنسان ” , باسم هذا الوجه البريء الذي ملأناه ندباً , ثم كبر فانتفض ذلك الوحش في داخله , وأهم مافعلناه أنَّ حملنا سيوف التربية لنقطع رأس أحلامه , ونقهقه .. نعم نقهقه , ولم لا ؟ ونحن الذين مشينا مقطوعي الأحلام بقدمين من يأس .
تزوجنا فرأينا على فراشنا منذ ليلتنا الأولى سيفاً من الطباع والعادات التربوية أهدانا إياه آبائنا , لنكمل مسيرتهم بكل امتنان ..فهل أنا الضحية أم هم الضحايا أم تلك النطفة المنتظرة مشروع ضحية ؟!!!


إذاً : دعوني أبكي قليلاً كي أتعلم الكتابة عن الطفل جيداً
يدفعنا الكم الهائل من المشكلات والعقد والأمراض التي نراها في بيوتنا في كل لحظة لنتحدث عن الطفل لأعوام دون سكوت لعلنا نفهم أن ما اعتقدنا أنه مجرد نزهة في رحلة الانجاب وتأسيس أسرة !
يوجعنا أن نسمع سيدة تشكي مشكلاتها الزوجية فتقول (سأنجب لزوجي طفلاً لعل شيئاً يتغير في حياتنا) على سبيل الهروب من مشكلاتها معه كما سيهرب هو بنفس الطريقة وبنفس أداة الجريمة , فعلى ماذا تراهنون على جريمة مسبقة بحق طفلكم القادم ليسوي مشاكلكم فتسوى حياته في الأرض ؟ على ماذا تراهنون ؟ أن يصبح الطفل أداة لعلاجكم من مشكلاتكم الزوجية ؟! أم لتصنعوا قاتلاً جديداً بأيديكم السوداء !!


هكذا نبني مستقبل أطفالنا قبل أن يوجدوا فتبدأ رحلة العيش القلقة مع أطفالنا , ومنذ ولادتهم وبحكم جهلنا بطبيعة مرحلة السنوات الخمس الأولى نبدأ بالتربية ” المزاجية” لأطفالنا , فمنا من يدلل طفله , ومنا من يضطهده , ومنا من يتبع اللامبالاة أسلوباً ناجعاً لراحة البال ولإشباع أنانيته , فينشأ الطفل على جبل من التناقضات التي تقع على مرأى حواسه ليلتقطها بكامل وعيه , نعم.. فهي صادرة من المثل الأعلى على شكل قيم مطلقة بالنسبة لهذا الطفل , لكن المثل الأعلى يكذب أمامه ثم يقول له (لا تكذب) , والمثل الأعلى يصرخ في زوجته ويضربها أمام طفله ثم يحضن طفله فهل تراه يصدق هذا الحنان يا مثله الأعلى ؟ ! , والمثل الأعلى يميز بقية الأخوة عن طفله وحين يعترض طفله يقول له : (أحبك كباقي إخوتك) , لماذا تكذب يا مثلي الأعلى لماذا ؟؟ وأنا طفلك الذي يلتقط كل تناقضاتك ويعيها تماماً , أي حياة تريدني أن أعيشها ؟ وأي عاطفة كاذبة تبنيها في أعماقي ؟


اعتاد الآباء والأمهات اللجوء إلى المختصين ليرشدوهم حول كيفية التعامل مع مشكلات أطفالهم وقد تناسوا تماماً أن يتساءلوا هل المشكلة في طفلهم حقاً أم فيهم أساساً , فحين تشتكي الأم من الطفل العنيد فمن الطبيعي أن يكون العناد والعدوانية هو نتاج اتباع الأبوين أحد أسلوبين في التعامل مع طفليهما إما في الدلال الزائد أو في التعنيف بكافة أشكاله اللفظي والجسدي والنفسي وهذا ما يبدو واضحاً بعد سنوات قليلة من نشأة الطفل في ظل هذه الأجواء , وهنا حين يأخذوا الارشادات من المختص يتابعون نفس السلوك في التربية فلا تجد الارشادات أية نتيجة حقيقية , وبعدها نسمع عبارات اليأس من الوالدين ويختمون قولهم (إبنا هيك الله خلقه مستحيل يتغير) لا.. يا أعزائي ,  بل أنتم من صنعه على هذه الهيئة التربوية فهو ضحيتكم وضحية سلوككم وجهلكم به فلو أننا تعلمنا كيف نفهم تراتبية مسيرة الطفل النفسية والاجتماعية والعقلية لرأينا أخطائنا جلية أمامنا وكمية جرائمنا بحق أطفالنا .


ولهذا السبب سوف استعرض سريعاً المسيرة النفسية للطفل لعلنا نفهم ما يحدث معه :
مرحلة ما قبل ميلاد الطفل : وهذه المرحلة مهمة جداً وفي مجتمعنا لا تهتم بها أغلب الأسر لاعتقادهم أن الطفل ينمو خارج منطقة التأثير وهذا خطأ كبير فنمو الجنين يتأثر تماماً بالبيئة الخارجية مستخدماً الأم كصلة وصل بينه وبين هذه البيئة حيث يقرأ الطفل شيفرات البيئة المحيطة من خلال تفاعل أمه معها فيلتقط الاشارات التي تمنحه إياها الأم من الخارج وتشكل لديه استعداد غريزي وعاطفي ونفسي .


مرحلة الرضاعة : يمر فيها الطفل بالكثير من التطورات النمائية المهمة فالرضاعة بالنسبة للطفل ليست مجرد إشباع حاجة فسيولوجية بل هي عملية تفاعل نفسية وعاطفية تبادلية مع الأم ولأن معظم الأمهات في هذه الأيام لا يقمن بالرضاعة الطبيعية فهن يفقدن الطفل أهم عنصر يحتاجه في هذه المرحلة وهو الاستقرار الانفعالي نتيجة غياب التفاعل العاطفي بينه وبين أمه وهنا تتشكل أول ثغرة في نفسية وعواطف الطفل .


مرحلة الطفولة المبكرة : تأتي ما قبل مرحلة المدرسة وفيها ينفتح الطفل على العالم الخارجي ويبدأ باستكشاف محيطه واكتساب مهارات اجتماعية في التواصل وفق ما يتأثر به من أهله , وهنا يستخدم كل طاقته ليحقق استقراره الذاتي , وفي هذه  المرحلة تكثر شكاوى الأمهات حول النشاط الزائد والتخريب والاستخدام السيء لأثاث المنزل والعنف وغيرها, وهنا علينا أن نعرف أن هذه المرحلة هامة جداً للطفل ومهمة الوالدين فقط التوجيه وليس كف يد الطفل فليستكشف كل شيء تحت رعايتنا وحمايتنا هذه مهمتنا وليست مهمتنا أن نجعله يفكر بنفس طريقة تفكيرنا ككبار , فالطفل يهمه أن يعرف كيف يكتب القلم ولماذا يكتب أكثر فهو لا يعرف أن ما (يشخبط) عليه هو عقد شركة قد يسبب لك الافلاس مثلا ً !!.


مرحلة الطفولة المتوسطة : تبدأ من 7 إلى 9 سنوات وتتميز هذه المرحلة برغبة الطفل الواضحة في الاستقلال عن أهله بالإضافة الى اتساع دائرته الاجتماعية وتعلمه أساليب تواصل جديدة , وهنا يشتكي الأهالي من أن الطفل قد تغيرت سلوكياته عن مرحلة ما قبل الخمس سنوات وهذا طبيعي جداً فهي جزء من متطلبات المرحلة وليس مشكلة أساساً .


مرحلة الطفولة المتأخرة : تبدأ هذه المرحلة من تسعة أعوام حتى أثني عشر عاماً وهي مرحلة تمهيدية لمرحلة المراهقة ويبدأ الطفل بفهم وتمييز الفروقات بينه وبين الجنس الآخر وتتضح المهارات والهوايات الخاصة به والفروق الفردية وتكوين القيم والاتجاهات الاجتماعية , وهنا على الآهل فهم هذه المرحلة جيداً حيث أن الطفل يمكن أن يسأل حول الجنس وعن كل القضايا التي تشغله في هذه المرحلة وفي حال كبته وعدم الاستجابة لتساؤلاته سوف يبدأ بالخروج للبحث عن اجابات خارج دائرة الأهل .


على طول هذه المراحل تتشكل شخصية الطفل الجوهرية التي ستقوده نحو مستقبله وما استعرضناه كافياً لنلاحظ أن أي خطأ في التعامل وفي فهم مراحل الطفل سوف يؤدي حتماً لشخصية غير متزنة لديه , فلماذا علينا أن نشتكي عليه , وليس على أنفسنا !


في جعبتنا بعض الارشادات التي لابد منها للتعامل مع أطفالنا :
1. لا ينبغي التعامل مع جميع الأطفال الأخوة في المنزل بنفس الطريقة التربوية فهناك اختلاف جوهري وفروق فردية علينا فهمها واختيار الاسلوب المناسب لها .
2. الخوف من الفشل في التربية يفشل التربية , علينا التحلي بالثقة والاطلاع على كل مراحل الطفل والتعامل بهدوء وثقة مع كل مرحلة .
3. أن نراقب سلوكنا وأخطائنا نحن الكبار أمام أطفالنا فهي المفتاح لفهم ما يحدث معهم .
4. تعلم الطفل المسؤولية بما يناسب كل مرحلة هو من أهم ما يمكن فعله لإنضاج شخصيته بسرعة أكبر .
5. الرضاعة الطبيعية ثم الرضاعة الطبيعية هي من أهم حاجات الطفل فلا تنكروها من أجل أغراض جماليات.
6. لا تشعروا الطفل أنه تحت المراقبة دائماً , فهذا يعوده على إظهار أشياء وإخفاء أشياء عنكم ويعلمه الكذب.
7. الانتباه جداً للنزاعات بين الوالدين أمام الطفل سواء بالكلام أو التعنيف بين الزوجين فنتائجها كارثية جداً.
8. إشغال وقت الطفل بما يفيده ويمكن للأم تعويده مثلاً على مساعدتها في إعداد الطعام فهو سيكون سعيداً حين يطعم والده طعاماً محروقاً مثلاً .
9. توبيخ الطفل على ما يفعله دون معرفة أبعاده  يشكل له جرحاً من الصعب أن يندمل في شخصيته
المقارنة بين الأخوة أو مع الأقارب جريمة بحق الطفل فتجنبوها بالمطلق.

وهناك الكثير عن عالم الطفولة لا تنتهي من مدى حساسيتها وعمقها وأهميتها , فلننظر من جديد في علاقتنا مع أنفسنا قبل أطفالنا .. فإن كانوا على خطأ فهو خطأنا تجسد فيهم و إن أصابوا فهو المقياس لتربيتنا الصحيحة ..لا يوجد أعظم من بناء طفل ..فهو المستقبل وهل لدينا أعظم من بناء المستقبل ؟

 


    Like it? Share with your friends!

    mm
    ماجستير اختصاصي في الارشاد الاجتماعي ومدرب في التنمية البشرية مصمم لحقائب تدريبية وأدربها اهمها الكاريزما ، والهندسة النفسية لتحليل الشخصية ، والتشريح النفسي، استشاري اجتماعي ونفسي وماستر في البرمجة اللغوية العصبية، واعمل على تصميم مقياس ريختر العاطفي ضمن حقل الذكاء العاطفي / يمكنكم متابعة الصفحة الشخصية للمدرب على الفيسبوك من هنا والصفحة العامة من هنا