وجه الخلل الخطير فى مناهجنا التربوية والتعليمية
وجه القصور الخطير في مناهجنا التربوية والتعليمية
في مناهجنا التربوية يتعلم التلميذ الفصاحة والبلاغة والنحو، يتعلم الحساب والهندسة، يتعلم الأحياء والفيزياء، وقد يتعلم بعض الألعاب – إن كان محظوظاً – أو بعض الفنون، يملؤون رأسه بكل أصناف العلوم ولا يعلّمونه ما هو أهم من كلّ العلوم، لا يعلمونه كيف يعيش؟ وكيف يصاحب؟ وكيف يتكلم؟
يملأون جعبته بالدفاتر والكتب ولا يملؤون عقله بمهارات الإختلاط ومصاحبة الناس، يشغلون أوقاته بالوظائف والمذاكرات والإمتحانات ولا يشغلونه في التمرّن على بعض فنون التواصل والتفاهم والتعايش مع الآخرين.
مثال غير مُوفّق:
خذ مادة الدّين – مثلاً – كمادة موجّهة لتنمية الوعي الروحي لدى التلميذ .. ففيها أول ما تُقتل البراءة لدى التلميذ ويدسّوا السمّ في عالمه الصغير .. فبدل أن يتعلم:
“لا تستوي الحسنة ولا السيئة ، إدفع بالتي هي أحسن .. ”
“لايسخر قومٌ من قومٍ عسى أن يكونوا خيراً منهم .. “
“إنا خلقناكم من ذكرٍ واُنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عن الله أتقاكم .. “
بدل من ذلك كله يعلّمونه – ربما من غير قصد – أن يقيس الناس بمسطرة التزامهم بقوانين الحرام والحلال التي أملاها عليها معلمه .. وأن يحكم عليهم في قلبه بأنهم هالكون إن قصّروا بالتزاماتهم الدينية أو ناجون.
وبدل أن يتعلّم الصغير أن نبيّنا الأكرم كان ألطف الناس وأذكى الخَلق إجتماعياً وسبق زمنه وبيئته بآلاف السنين .. بدلاً من ذلك يجد التلميذ أن من واجبه يحفظ عشرات الأحاديث والأحكام النبوية غيباً وأسانيدها فرداً عن مئة فرد.
تعريف مبسط بالذكاء الإجتماعي
الذكاء العقلي أو المنطقي هو ما يلزمنا لفهم الموجودات في محيطها الطبيعي والتحكم بها.
الذكاء الإجتماعي هو الذي يلزمنا لفهم الأشخاص في محيطهم الإنساني والقدرة على التواصل معهم.
ممارسة الذكاء الإجتماعي ينطوي على بعض المخاطر، فقد يعتبرنا البعض متملقين ويعتبرنا آخرون عديمي الشخصية والحقيقة هي العكس تماماً. أن تتمتع بقدرة على ضبط نفسك وكبح ردود أفعالك وكتم مشاعرك إرضاءً لمشاعر الآخرين المتهيجة وانتظاراً للفرصة الأنسب للتعبير عن نفسك وآرائك تنطوي على ثقة عالية وقدرة ذاتية قوية لايقدر أكثر الناس عليها. الأذكياء إجتماعيا غالبا مايكونون الأكثر ثقة في أنفسهم.
أمثلة عملية:
المتفوقون في الحياة العملية قلما كانوا هم المتفوقين في الدراسة. أتدرون لماذا؟
لأنهم بينما كانوا جالسين في مقاعد الدراسة كانت عيونهم ترمق السوق وفنون التجارة واُصول كسب العملاء ومهارات التواصل مع المنافسين وأساليب التعامل مع الآخرين.
الذين تميزوا بذكائهم العاطفي تفوقوا اجتماعياً وابدعوا في التجارة وأبدعوا في الإدارة وأبدعوا في السياسة. أما الذين حازوا على الذكاء المنطقي فغالبا ما اكتفوا بمهنهم ووظائفهم ولربما أبدعوا فيها لكنهم غالباً ما تركوا الآخرين يقودونهم ولو من غير استحقاق علمي.
الحل المطلوب:
لقد أدركت – متأخراً – أن هناك أنواع من الذكاء تسمى ذكاءٌ اسمه ذكاءٌ إجتماعي وذكاء عاطفي وهناك فنٌ اسمه فن التواصل مع الناس وهناك لغة اسمها لغة الجسد وهناك علمٌ اسمه الهندسة اللغوبة العصبية وهناك قانون اسمه قانون الجذب وغيرها الكثير من المفاهيم البديعة لفنون التواصل، إن تسلّح بها الفرد استطاع العيش مع ذاته ومع أقرانه ووسط مجتمعه حياةً سعيدة مستقرة، ملؤها الحب والإحترام حتى وإن كانوا أشد الناس عداوة.
ما أسهل أن نرفع الأصوات بالصياح والسباب وما أسهل أن تبدأ فينا الفتن وما أسهل أن تقوم بيننا الحروب، وما أصعب أن نتفاهم كما يتفاهم بقية البشر على وجه البسيطة، أن نتحاور فنفترق متحابين أو على الأقل غير متخاصمين، كلّ منا يبدي وجهة نظره ويتفهم نظرة الآخر وطريقة تفكيره وما أهمّه.
أساسيات الذكاء الإجتماعي
إليك بعض المفاتيح الأساسية التي لابد من ممارستها إذا كنت تروم تحسين كفاءتك الإجتماعية:
1. الإبتسامة في وجوه الآخرين وخاصة في أول اللقاء
2. أن توافق ملامح وجوهنا مشاعرنا وأن نحسن استخدام لغة الجسد في التعبير
3. اﻹنصات للآخرين جيداً وطرح اﻷسئلة عليهم وتشجيعهم على التعبير عن ما يقلقهم
4. تقبل الآخرين كما هم: تفهّم أفكارهم ومشاعرهم وإحسان الظن بهم
5. كتمان الغيظ والعفو عن الإساءة والإحسان للآخرين.
6. التحكم بمشاعرنا وإخفائها وراء ستارة من التعاطف مع الآخرين
7. التواضع وتجنب الحديث عن الذات إلا حين تقتضي الظروف وتجنب الكبرياء
8. عرض المساعدة والأفضل من قبل أن يبوح الآخرون بحاجتهم
9. تشجيع اﻵخرين وتحفيزهم واكسابهم الثقة بالنفس
10. إطراءهم على عندهم من خصال ومناداتهم بأسمائهم
دعوة إلى كل المربين والمعلمين وإلمهتمين:
نحن في عصر بلغ فيه فن التواصل شأنا لم يعد معه مجرد مهارة مكتسبة أو موروثة بل صار أمراً لازماً أن نتعلّمه ونتلمّس مفاتحه، وإلا تحول العرب كلّهم إلى مخلوقاتٍ دينصورية يكفّر بعضهم بعضاً ويقتل بعضهم بعضاً حتى ينقرضوا عن بكرة أبيهم!