وهم التفوق “الأفضل من المتوسط”

يظن أغلب الناس أنهم أفضل من الآخرين في كل شيء؛ فمثلًا قد يظن أحدهم أنه يقود سيارته أفضل من معظم الناس، ويعتقد آخر أنه أفضل صديق في الكون. ماذا لو قلنا لك أن معظم الناس يعتقدون نفس الشيء بالضبط عن أنفسهم؟ تتجه العديد من أبحاث علم النفس لدراسة تقييم معظم الناس لأنفسهم بأنهم أكثر إيجابية من الآخرين، وهو ما يعرف بوهم التفوق.

 

أي شيء تفعله، أستطيع أن أفعله بشكل أفضل

أظهرت إحدى الدراسات أن هناك العديد من الناس بالفعل يؤمنون بأنهم دائمًا أفضل في كل شيء من الأشخاص المحيطين بهم “الشخص المتوسط”، ولكن لا يزال هناك الكثير من الأسئلة؛ على سبيل المثال: هل يحدث ذلك لأن الناس يشعرون بالحاجة إلى رؤية أنفسهم بصورة أفضل من غيرهم؟ أم أن هناك شيئًا متأصلًا في الطريقة التي يحكم بها الناس على أن شيئاً ما أفضل أو أنهم أفضل من الآخرين؟ على أي حال، هل هذا خطأ؟ أم يجب أن يرى البعض أنهم أفضل في بعض الأمور؟

 

أكثر الأمثلة وضوحًا لأثر “الأفضل من المتوسط” في العمل كانت دراسة في عام 2013 تم نشرها في المجلة البريطانية لعلم النفس الاجتماعي، وكان الأمر مثيرًا للدهشة لأن الباحثين ركزوا على الأشخاص الذين هم دون المستوى؛ أي تحت المتوسط في مجموعة واسعة من سمات الشخصية. أجرى الباحثون التجربة في أحد السجون مع المدانين، ووجدوا أن السجناء في السجن حقل التجربة -عند مقارنتهم بسجناء آخرين- صنفوا أنفسهم على أنهم أفضل أخلاقًا، وأكثر جدارة بالثقة، ورحماء، وملتزمين بالقانون؛ أي أنهم الأفضل في كل شيء.

 

اقرأ أيضاً : أسرار التفوق في الدراسة

 

نقاط القوة في التقليل من الضعف

عند سؤال بعض الأشخاص المتقدمين إلى وظيفة ما، عن وجود بعض السمات في شخصياتهم والتي من الممكن أن تكون مصادر ضعف، كانت المفاجأة بأنهم يخبرونك أنها ليست مصادر ضعف وإنما نقاط قوة لديهم. لا يميل أغلب المتقدمين إلى المصارحة بأنهم يمتلكون نقاط ضعف مثلما لديهم نقاط قوة، وحتى من يؤمنون بأن عليهم أن يقولوا ذلك، فإنهم يصفون نقاط الضعف لديهم بأنها بمستوى منخفض من الضعف وأنه من الممكن معالجتها بمرور الوقت. ويكمن السبب وراء إخفاء البعض نقاط ضعفهم عن الآخرين؛ في الخوف من استغلالها ضدهم ذات يوم مما قد يسبب لهم العديد من المشاكل.

 

يعتبر تأثير “الأفضل من المتوسط” أمرًا شائعًا باختلاف الدول والثقافات، فمثلًا يظهر هذا التأثير في دول الغرب لأنهم أكثر تقديرًا للفرد، أما في الدول العربية فالكثير من الأفراد لا يصدقون أنفسهم ولا قدراتهم، وبالتالي لا يوجد هنا مقارنة بينك وبين الآخرين فالكل أصبح مثل الزومبي يأكل ويتحرك فقط.

تساءل كلًا من “بن تابين” و”ريان ماكاي” في جامعة لندن عن “لماذا يعتقد الناس أنهم الأفضل، وأن الآخرين أقل منهم بكثير؟”. أجرى تابين ومكاي دراسة على 30 شخصًا تختلف سمات شخصياتهم، بما في ذلك الصفات المرتبطة بالأخلاق كالصدق والإخلاص، والصفات الإنسانية كالحماس والإعجاب، وصفات القوة كالكفاءة والإبداع. وقد وجد الباحثان أن المشاركين يعتقدون أنهم أفضل من غيرهم في كل الصفات.

يشير تابين وماكاي إلى أن درجة معينة من حب الذات تعتبر في الواقع عقلانية ومفيدة. من الطبيعي أن نصدر الأحكام بحق أنفسنا، فنحن نمتلك معلومات حول أعمالنا وسلوكياتنا، كما نعرف مستوانا جيدًا، ولكن يجب أن نكون أكثر حذرًا عند تقييمنا للآخرين فنحن لا نعلم عنهم مثلما نعلم عن أنفسنا.

أكد تابين وماكاي من خلال دراساتهم أنه قبل أن يقوم الشخص بتقرير أنه أفضل من أغلب الناس فإنه يجب أن يلقى نظرة على البقية أولًا من خلال صفاتهم واستنتاج خصائصهم.

يقول الباحثون إن العقلانيين يدركون بدقة مدى تشابههم مع الأشخاص العاديين في نفس الصفات، كما يمكنهم الاستفادة من ذلك. بعبارة أخرى، إذا كنت متشابه جدًا مع الآخرين، يجب أن يكون تقييمك للآخرين مماثل للتقييمات الخاصة بصفاتك، ولكن إذا كنت حقًا مختلف عن الآخرين، فيمكنك أن تعطي الآخرين تقييمات حسب ما ترى.

بالطبع فإن أحد التحديات أثناء إجراء التقييمات الذاتية العقلانية هو معرفة تقييمك الحقيقي. قد تكون تعرف نفسك جيدًا ولكن من الممكن أن تنتهج المبالغة والتقليل أثناء تقييمك للآخرين، ولكن نجح كلًا من تابين وماكاي في قياس نموذجية الأفراد بدقة أكبر باستخدام الردود من تجاربهم.

لذلك نحن ننظر إلى أنفسنا أننا أكثر أخلاقًا من غيرنا، كما نقوم بأخذ مثل تلك الأحكام بشكل غير عقلاني. على الجانب الإيجابي، فإن مشاعر التفوق الأخلاقي يمكن أن تتحقق أو تكون حقيقية من الناحية النظرية، وأن تحمي مشاعرنا وشكلنا أمام الآخرين. على سبيل المثال، هناك خطر في الاعتقاد الخاطئ بأن الشخص أكثر صدقًا مما يظهر عليه حقًا وعندما نقترب من الآخرين فإننا من المحتمل أن نقع فريسة تقييماتنا الخاطئة وهذا لأن أغلب الناس يفكرون أنهم أفضل من الآخرين.

تشير الأدلة المستمدة من الدراسات ذات الصلة إلى أن التصورات الذاتية للأخلاق قد تكون مبررًا لبعض الإجراءات غير الأخلاقية في المستقبل. فعلى سبيل المثال، قد يجد الفرد المتطوع لتقديم الطعام في الجمعيات الخيرية، أنه من المقبول أخذ ما يلزمه منها دون الحصول على إذن من المسؤول. وقد تم توثيق تأثير ذلك الترخيص الأخلاقي في العديد من المجالات، وأماكن العمل. عندما تكون الصورة الأخلاقية الذاتية راسخة في أذهاننا، فيكون لهذا سببًا مباشرًا في عدم الالتزام باتباع القوانين الأخلاقية الصارمة. وهكذا، فإن حقيقة ميلنا إلى الاعتقاد بأننا فوق المعدل الأخلاقي يمكن أن يجعلنا ننحدر أسفل هذا المعدل بالفعل.

 

اقرأ أيضاً :