“أولادكم ليسوا ملك لكم, أولادكم ملك الحياة”
ما مدى صحة هذه المقولة ؟؟
للأسف توجد برمجة سلبية شبه معممة في مجتماعاتنا الشرقية ألا وهي “لازم نجيب أولاد ليخدمونا عندما نصبح كباراً بالسن, أو لازم نجيب بنت لتساعد والدتها بأعمال المنزل … ”
جميل أن ننجب أطفالاً ونكوّن أسرة ونشعر بمشاعر رائعة من مشاعر الأمومة والأبوة ولكن هذا لا يعني أن أطفالنا هم ملكُ لنا وعليه يجب أن يكونوا كروبوت ينفذ أوامرنا ولتحقيق رغباتنا وأمنياتنا لا رغباتهم هم.
لطفل حقوق كثيرة أهمها أن يعيش حياة كريمة حرة يشعر بها بكيانه واستقلاليته.
مهمة الأهل رعاية الطفل والاهتمام به حتى يكبر ومنحه الحب والحنان ولكن دون أن يفرضوا قيود وبرامج عليه أن ينفذها أو أن يعاقب ويوبخ (مثل: عليك أن تصبح طبيباً أو أنت فاشل .. عليك أن تحب هذا الطعام, أو هذا الفن, أو أن تلتزم بمظهر أو شكل معين, ..أو … والأمثلة كثيرة وإن لم تفعل ما هو مطلوب فأنت طفل غير جيد أو طفل غير مرغوب, غير محبوب.
عندما لا يلتزم الطفل بأوامر وتعليمات الأهل كروبوت يفور الأهل غضباَ ويصفون الطفل بالعنيد أو الغبي وأنه يحتاج لتربية لمجرد اختلاف ميول واهتمامات و آراء الطفل عن الأهل.
وهل من المفروض أن يكون الطفل نسخة طبق الأصل عن الأهل؟؟!!
ماذا لو أعطينا الطفل مساحة للاختيار, مساحة للرأي, مساحة للحرية..؟؟!!
ماذا سيحدث إن تركنا الطفل يختار نوع ولون ملابسه؟؟ ماذا سيحدث إن رتب أغراضه بالطريقة التي يراها هو مناسبة ولكن لا تعجبكم..؟؟
ماذا سيحدث إن سرح شعره بالطريقة التي هو يحبها؟؟!
فكروا لدقائق, ماذا سيحدث إن فعل طفلك ما يريده وليس ما تريده أنت؟؟!!
ماذا سيحدث إن خالفك طفلك بالرأي بأشياء صغيرة أو كبيرة؟؟
في أغلب الأحيان يرفض الأهل ذلك, لأن هذا يؤدي لتخليهم عن السلطة والتحكم وبالتالي تهتز بداخلهم الآنا الداخلية (هذا طفلي ملكي, و يجب أن يكون مثلي وينفذ أوامري)!!
(أنا افتخر بطفلي لأنه مطيع دائماً لي ولا يفعل أي شئ دون أن أوافق عليه)!!
أطفالكم ليسوا آلة تحكم بين أيديكم. حرروهم أرجوكم..
سيتعجب بعضكم و يراود كثيرين منكم سؤال: هل أترك طفلي على راحته ليصبح غير مؤدب, سئ, أو فاشل, أو…؟؟!!
بالطبع لا.. ولكم كل الحق أن تفكروا بهذه الطريقة وأحترم رأيكم.
ولكن إن كنتم في السنوات الأولى من عمر الطفل لا تجدون طريقةً للتفاهم والتواصل وإقناع الطفل, لا تجدون أسلوب وطريقة حوار مع طفلكم, فلا تنتظروا أن تجدوا طريقة تواصل وتفاهم مع طفلك عندما يكبر وخاصة بعمر المراهقة, وإن كنتم الآن تقومون بالصراخ أو العقاب والضرب لينفذ تعليماتكم وأوامركم,
فعندما يكبر الطفل لن تستطيعوا أن تفعلوا ذلك وإن فعلتم لن يؤثر فيه, وعندها ستصفون الطفل بالعاق أو العنيد وأنتم من أوصلتموه إلى هنا.
أن الطفل العنيد هو ناتج من عناد الأهل معه وأمامه.
سيكون طفلك ضعيف الشخصية, غير مبالِ واتكالي, لأنه لم يعي منذ الصغر مدى أهمية وجوده ورأيه, وأنه كائن صاحب قرار ومسؤول عن حياته وتصرفاته.
حاور طفلك دائماً, خذ رأيه بكل الأمور خاصة التي تخصه.
فعندما تأخد رأي طفلك فأنت تعزز ثقته بنفسه وتشعره بأهميته بالحياة, وتعلمه أهمية التعبير عن أفكاره ومشاعره و تكسر أية حواجز بينكم.
عندما تحاوره بهدوء ومحبة وتقنعه بدون ترهيب وتأنيب فسوف يسمع منك ويثق بك وبأهمية رأيك دون أن يلغي شخصيته. وربما عندما تحاوره يقنعك هو برأيه.
من الجميل أن ندرك أنه يجب أن نتعلم من أطفالنا كما نعلمهم أيضاً.
من الجميل أن نتخلى عن غرورنا لنعترف بأخطأنا أمام أطفالنا و نعتذر لهم.
من الجميل أيضاً أن ننزل قليلاً لنقترب ونحتوي ونحتضن أطفالنا جسدياً وفكرياً وروحياً.
لا تصنعوا حواجز وشروخ بينكم وبين أطفالكم بالضرب والصراخ والعقاب والخوف منكم.
أعلموا أنكم أنتم مصدر الأمان والحب الحقيقي و الثقة لدى الطفل وتخيلوا أن يكون هذا المصدر سبب خوف وألم وانعدام ثقة.؟؟!!
إن ما تزرعوه بالطفل سيعود حصاده عليكم وعليه.
إن زرعتم العناد والعدائية والعنف والخوف سيعود بأمراض نفسية وجسدية وبطفل غير سوي.
و إن زرعتم الحب والأمان والثقة والحرية ستحصدون طفلاً ناجحاً, مبدعاً, واثقاً ورائعاً.
عندما تزرع الخوف بداخل طفلك بأي شكل كان, كخوفه منك, أو من معلمه, أو حتى من الله أو النار أو… الخ, لينصاع لأوامرك, فبعد حين ستجده يخاف من أشياء كثيرة, وعندها ستستغرب ما الذي أدى لذلك؟؟!!
علينا أن نحب أطفالنا بلا شروط أو قيود, نحبهم حتى بأخطائهم, علينا أن لا نربط حبنا لهم بأي شئ على الاطلاق لكي لا تتزعزع ثقتهم بأهمية وجودهم بالحياة, وهذا لا يتنافى مطلقاً بأن نوجه ونصحح الأخطاء ونقوم السلوك ونعطي النصائح ولكن بكل الحب والاتزان والهدوء.
بداخل كل طفل نور إلهي عظيم لا تطفئه ببعض العقد الداخلية لديك أو لأننا تربينا هكذا فيجب أن نربي أولادنا على نفس الطريقة, فما كان يصلح بالأمس ليس بالضرورة أن يكون نافعاً اليوم. فكما يتطور العلم تتطور النفس البشرية.
لم يخلق طفلك لتعذبه وتعاقبه بل لتعلمه المحبة والسلام ولتوصله لبر الأمان ولطريق سليم ونقي ونظيف وهو من يقرر تتمة ذلك الطريق باختياراته.
واعلموا أن ذبذبات أفكاركم و مشاعركم تصل لأطفالكم حتى وإن كانوا نائمين بغرفةِ أخرى, فأنتم مسؤولون عما يشعرون ويفكرون به و ليس فقط عن لباسهم وطعامهم.
فرجاءً كونوا على قدر كبير من المسؤولية والمحبة لأن بين أيديكم قدر كبير من النقاء فلا تلوثوه_ ألا وهو أطفالكم.
طاقة محبة وامتنان لكم أعزائي القراء.
راما زنتوت