هل يمكن للتواصل أن يشفي الإدمان ؟
خاص أكاديمية نيرونت لـ التطوير و الإبداع و التنمية البشرية
يقول جون هاري : “الطريقة المثلى لتربح الحرب على المخدرات قد لا تكون في الاستعانة برجال الشرطة والسجون .. بدلاً من ذلك علينا أن نبذل قصارى جهدنا للتخفيف من مشاعر العزلة لدى المدمنين” .
لقد مضى حتى الآن 100 عام على أول حظر للمخدرات – ومع هذه السنوات الطويلة في محاربة المخدرات، كنا قد لقنا قصة عن الإدمان طالما سمعناها من أساتذتنا وحكوماتنا .. حتى حُفرت في أدمغتنا على أنها لا تقبل النقض أو الشك .
تخبرنا القصة بأن الجرعات المخدرة تحتوي على مواد كيميائية شديدة الربط والتي في حال توقفنا عن تناولها فإن أجسامنا في اليوم ال21 ستطلب تلك الكيميائيات الرابطة، وسنشعر برغبة جامحة لتناول الجرعات المخدرة .. أي أننا نكون قد أدمنا استهلاكها .. وهذا ما تعنيه كلمة إدمان .
تلك النظرية تم وصفها ولأول مرة ، بشكل جزئي ، عبر التجارب المخبرية على الفئران- والتي بُثّت في المجتمع الأميركي في الثمانينات من القرن الماضي، عبر الإعلان الشهير الذي قدمه برنامج ” العمل معاً من أجل أميريكا خالية من المخدرات ” .
لعلك تذكره .. التجربة كانت بسيطة جداً ، ضع فأراً وحيداً في قفص مع علبتي ماء .. إحداهما ماء نقي والثانية ماء أضيف له الهيروين والكودائين .
في معظم الحالات التي قمنا فيها بمثل هذا الاختبار ، الفأر سيصبح مولعاً بالماء الذي أضيف له مخدر ، ليشرب منه أكثر وأكثر حتى يقتل نفسه .
الإعلان شرح ذلك كالتالي : ” قد تكون جرعة واحدة كافية لحصول الإدمان ، إن تسعة من أصل عشرة فئران مخبرية ستستمر في تناول الجرعات المخدرة وتستمر وتستمر حتى الموت .. هذا ما ندعوه بالكوكائين ، والذي يمكنه أن يفعل الأمر ذاته معك ”
لكن بروس ألكسندر البروفسور في علم النفس في فانكوفر -في السبعينات من القرن الماضي- لاحظ أمراً غريباً حول ذلك الاختبار .. فأر التجربة كان وحده في القفص طوال الوقت ، لم يكن لديه ما يقوم به سوى أن يشرب الماء الملوث بالمخدرات .. وهذا ما دعاه للتساؤل : ما الذي يمكنه أن يحدث لو أننا أعدنا التجربة بشكل مختلف ؟
قام البروفيسور ألكسندر ببناء ما يدعى بمنتزه الفئران وهو عبارة عن قفص معشب أشبه بحديقة زوّدت بالكرات الملونة والطعام الجيد والمحبب لدى الفئران كما وضعت فيها أنفاق لتنزلق عليها الفئران بسهولة وامتلأ المكان بالعديد من الأصدقاء فلم تُعزل الفئران عن بعضها .. كل ما يتمناه الفأر في عالمه، يمكنه أن يجده هنا .
في منتزه الفئران هذا .. قامت جميع الفئران وبشكل واضح بتجربة كلا وعائي الماء لأنها لم تكن تعرف ما بداخلهما، لكن ما حدث بعد ذلك كان مدهشاً .. الفئران في هذه الحياة الممتعة لم تكن ترغب بالماء المخدر، وغالباً ما كانت تتجنبه ولهذا لم تستهلك الفئران المنعّمة أكثر من ربع المخدرات التي تم استهلاكها من قبل الفئران المعزولة لوحدها في أقفاص .. ولم يمت أياً من فئران المنتزه، بينما أصبحت جميع الفئران التي عُزِلت وحيدةً وغير سعيدة مستهلكة نهمة للمخدرات ، على نقيض ما حدث مع تلك التي تنعمت بمحيط من السعادة .
في البداية اعتقدت بأن ذلك لم يكن إلا صفة خاصة بالفئران، إلى أن اكتشفت مثالاً بشرياً حدث في الوقت نفسه الذي تمت فيه تجربة منتزه الفئران ويشبهها إلى حدٍ بعيد يمكنه أن يوضح لنا الحقيقة .. إنها حرب فيتنام.
لقد أوردت مجلة “الوقت” خبراً يؤكد أن الهيروين أصبح شائعاً بين الجنود الأميركان كمضغ العلكة وهناك أدلة ثابتة للعودة إليها .
إن 20% من الجنود الأميركان أصبحو مدمني هيروين في تلك الفترة وفق دراسة نشرت في “أرشيفات طب الأمراض العقلية العامة” ، وهذا ما جعل الكثير من الناس يشعرون بالفزع –كما هو متوقع- فقد اعتبروا أن هذا العدد الضخم من مدمني الهيروين سيستمرون في إدمانهم حتى بعد عودتهم إلى الوطن .. لكن الحقيقة كانت عكس ذلك .. ببساطة ، توقف 95% من الجنود المدمنين –اعتماداً عل نفس الدراسة- توقفوا عن تناول الجرعات المخدرة، والقليل جداً كانو بحاجة للمساعدة وإعادة التأهيل .
لقد انتقلوا من القفص المرعب الذي كانوا محتجزين فيه إلى محيطهم المبهج والمريح فلم يعودوا بحاجة للمزيد من تلك المخدرات .
قدم البروفيسور ألكسندر ذلك الاكتشاف على أنه تحدٍ كبير لكلا الرأيين .. الملتزمون الذين يعتبرون الإدمان سقوط أخلاقي سببه المبالغة في تتبُّع المتع، والمتحررون ممن يعتبرونه مرضاً في الدماغ المسلوب تحت تأثير الكيميائيات الرابطة .
في الحقيقة لقد أراد البروفيسور ألكسندر أن يقنعنا بأن الإدمان هو نوع من التكيّف سببه القفص الذي وُضِعت فيه وليس أنت .
الفئران في المنتزه ..
بعد المرحلة الأولى من منتزه الفئران قام بروفيسور ألكسندر باختبار أوسع .. أعاد التجارب القديمة التي عزل فيها الفأر وحيداً في قفص حتى أدمن المخدر، لكنه هنا حدد الزمن، فقد ترك الفئران الوحيدة تستهلك المخدر لمدة 47 يوماً بحيث يتأكد من إدمانها دون أن تموت ، ثم قام بنقل تلك الفئران من العزلة التي كانت فيها إلى منتزه الفئران .. أراد أن يعرف : عندما تقع في الإدمان ، هل يُسلب منك عقلك تماماً بحيث يصبح من المحال شفاؤك ؟ هل تتغلب عليك المخدرات ؟
ما حدث –أيضاً- كان مفاجئاً .
الفئران عانت من بعض اختلاجات الانسحاب (أي التراجع عن استهلاك الجرعات المخدرة) لكنها توقفت حالاًعن الاستهلاك الكثيف للمخدر، وعادت لممارسة حياتها الطبيعية .. لقد أسعفها القفص الجميل .
عندما عرفت بذلك للمرة الأولى ، كنت مشوشاً .. كيف يمكن لذلك أن يحدث ؟ النظرية الجديدة تعتبر بمثابة نقض واضح لما تعلمناه سابقاً وهذا ما جعلها تبدو ليست واقعية أو صحيحة . لكنني كلما ناقشت عدداً أكبر من العلماء وكلما اطلعت على أبحاثهم ودراساتهم ، كلما اكتشفت أموراً لايمكنها أن تعطي معنى مفيد إلا إذا أخذنا بعين الاعتبار ذلك المفهوم الجديد (الذي تم طرحة عبر تجربة منتزه الفئران) .
وإليك مثال توضيحي لتجربة يمكن أن يمر بها الكثير ممن حولك ، وقد تحدث لك أنت يوماً ما ..
لو أن أحدنا تعرض لحادث سير وكُسر عظم الحوض لديه فإنه غالباً ما سيعطى مادة الديامورفين كمسكن ، علماً أن الديامورفين هو الاسم الطبي لمادة الهيروين . وسيجد الكثير حوله ممن يُعالجون في المشفى أيضاً يتم إعطائهم الهيروين ، لاراحتهم من الألم .
والهيروين الذي تم صرفه من قبل الطبيب سيكون أكثر نقاءاً وفعالية من ذلك الذي يتعاطاه مدمنوا الشوارع ، ويضطرون لشرائه من مهريبي المخدرات والمجرمين الذين يقومون بغش الهيروين . ويالتالي .. لو أن النظرية القديمة حقاً صحيحة أي أن المخدرات هي التي تسبب الإدمان وجسمك سيصبح بحاجة لها .. إذاً ما يجب أن يحدث أصبح واضحاً، الكثير ممن غادروا المشفى لابد أن يتجهوا إلى الشارع بحثاً عن المخدرات التي اعتادوا عليها .
الغريب هنا .. أن هذا لن يحدث في الواقع . وكما شرح لي ولأول مرة الدكتور الكندي جابور ميت : مستهلكي المخدرات التي وُصِفت كعلاج من قبل الأطباء سيتوقفون ببساطة عن تناولها على الرغم من استهلاكهم للمخدرات لعدة شهور.
إن نفس الجرعة المخدرة والمستخدمة لنفس المدة يمكنها أن تحيل مستهلكي مخدرات الشوارع إلى مدمنين لا شفاء لهم ، بينما تترك مستهلكي مخدر المشفى دون أي أثر مؤذي .
فإن كنت لاتزال تعتقد –كما كنت أنا أيضاً- بأن المواد الكيميائية الرابطة هي المسؤولة عن حدوث الإدمان .. لن تكون قادراً على تفسير ما سبق .. أما عندما تعتقد بصحة نظرية بروس ألكسندر، ستتضح الصورة لديك .. مدمني الشوارع هم أشبه ما يكونون بقئران التجربة القديمة التي تم عزل الفئران فيها كلٌ في قفص دون أي مصدر للتسلية أوالعزاء .
بينما يمثل مستهلكي مخدر المشافي مجموعة فئران المنتزه في القفص الثاني .. فالمريض في المشفى يمكنه أن يعيش حياةً طبيعية محاطاً بأناسٍ يحبهم ويهتمون لأمره .. الجرعة المخدرة نفسها لكن المحيط اختلف .
نقيض الإدمان ..
ما سنشرحه هنا يمثل رؤيا أوسع وأعم من حاجتنا لفهم آلية الإدمان والمدمنين .
يناقش البروفيسور بيتر كوهن بأن النفس البشرية تكمن داخلها حاجة دفينة للارتباط وتكوين العلاقات . إنها الطريقة التي تشعرنا بالرضا والإشياع .
فإن لم نستطع التواصل مع بعضنا البعض ، سنبحث عن أي شيء آخر لنرتبط به .. سواء كان صوت دولاب القمار وهو يدور أو وخزة سيرنج المخدر .. ثم أضاف : “يجب أن نتوقف عن استخدام كلمة “إدمان” لنستبدلها بكلمة “ارتباط” ، فمدمن الهيروين ارتبط بالهيروين لأنه لم يجد شيئا آخر يرتبط به .
إذاً نقيض الإدمان ليس الرزانة ، إنه التواصل البشري .
عندما عرفت كل هذا ، بدأت تدريجياً أقتنع بذلك المفهوم الجديد ، لكنني لم أستطع التخلص تماماً من بعض الشك المزعج .
هل يقصد هؤلاء العلماء بأن المواد الكيميائية الرابطة (المواد التي يعتقد بأنها تسبب الإدمان) ليس لها أي تأثير ؟
كان التفسير الذي قُدّم لي كالتالي : يمكنك أن تدمن القمار ، ومع هذا لن يعتقد أحدهم أنك قمت بحقن حزمةٍ من أوراق اللعب في عروقك .. يمكنك أن تدمن تماماً دون أية مواد كيميائية تربطك بلعبة القمار .
لقد حضرت أحد اجتماعات القمار في لاس فيجاس (بعد الاستئذان من كل من حضر وعرف بأني هنا للمشاهدة فقط ) وكان الجميع بشكل واضح مدمنين على القمار كإدمان متعاطي الكوكائين والهيروين، وحتى تلك اللحظة لم أرى كيميائيات رابطة بين ما تبقى على الطاولة ..
لكنني وبكل تأكيد لازلت أتساءل عما إذا كان هناك دور ما للكيميائيات الرابطة ؟ واتضح وجود تجربة يمكنها أن تقدم لنا الإجابة على ذلك وبتعابير دقيقة جداً، والتي تعرفت عليها من خلال كتاب ريتشارد دي غراندبر .
الكل يعرف بأن تدخين السجائر هو من أكثر العادات الإدمانية انتشاراً .. وتنشأ المواد الكيميائية الرابطة في التبغ من مادة تدخل في تركيبه تدعى النيكوتين ، لذا عندما تم تطوير لصاقات النيكوتين في بداية التسعينات من القرن الماضي، كان هناك دفقة كبيرة من التفاؤل –مدخني السجائر يمكنهم الحصول على حاجتهم من تلك الكيميائيات الرابطة دون آثار التدخين الضارة (والمميتة أحيانا) ، سيتحررون منها.
لكن مكتب وزير الصحة أكد بأن 17.7% فقط من المدخنين قادرون على التوقف عن التدخين باستخدام لصاقات النيكوتين . وهذا لا يشكل شيئاً .. إذا كانت تلك المواد الكيميائية تؤثرفقط على17.7% من المدخنين فلازال الملايين حول العالم تُدَمّر حياتهم بسبب التدخين . وقد اكتشف أيضا أن قصة المواد الكيميائية الرابطة التي سبق وتعلمناها ، فعلياً صحيحة فقط كجزء صغير من كامل الصورة .
لقد كان لهذا تأثير كبير في حرب المئة عام على المخدرات .. الحرب الهائلة -التي قتلت الكثير، من مراكز التسوق في المكسيك إلى شوارع ليفربول- اعتمدت على التصريح بأننا نحتاج إلى الاستئصال المادي الكامل للمواد الكيميائية لأنها تسيطر تماماً على الدماغ مسببة الإدمان- فإن كان فعلاً انعدام التواصل الاجتماعي هو ما يقود إلى الإدمان فكل تلك الجهود لامعنى لها.
أما ما يدعو للسخرية .. إن ما قامت به الحرب على الإدمان فعلياً هو زيادة جميع محفزات الإدمان الأكثر فعالية بدلاً من إلغائها . ومثال ذلك : عندما زرت سجن أريزونا –مدينة تنت- حيث يحجز النزلاء في أقفاص حجرية لعزلهم عن الآخرين (“الحفرة”) لأسابيع وأسابيع .. بهدف معاقبتهم على استخدامهم للمخدرات ، ويمكنني أن أتخيل كم هي شبيهة بأقفاص الفئران .. تلك التي تضمن لهم زيادة إدمانهم حتى الموت . وعندما يخرج أولئك السجناء لن يُقبَلوا في أي وظيفة بسبب سجلهم الإجرامي ، مما يزيد من عزلتهم وانحرافهم .
العلاج هو التواصل الإجتماعي ..
هناك بديل .. يمكننا بناء نظام مصمم لمساعدة مدمني المخدرات ليتواصلوا مجددا مع العالم –وبالتالي يتركون الإدمان ورائهم .
وهذا ليس كلاما نظرياً ، إنه يحدث فعلاً وقد سبق لي أن رأيت ذلك ، فمنذ حوالي ال50 عاماً مرت البرتغال بواحدة من أسوأ مشاكل المخدرات في أوروبا، وقد أدمن 1% من سكانها على الهيروين . جربت الجهات المسؤولة محاربة المخدرات لكن المشكلة كانت تزداد سوءاً .. وهذا ما دفعهم لتجربة شيء مختلف تماماً ، فقد قرروا إنهاء تجريم تعاطي المخدرات (أي شطبها من قائمة الجرائم) وتحويل جميع الأموال التي اعتادوا صرفها على احتجاز وسجن مدمني المخدرات ، لتُصرف -بدلاً من ذلك- على إعادة دمج المدمنين بمجتمعاتهم الأرحب وإحساسهم بقيمتهم . لقد كانت الخطوة الأهم .. إيجاد السكن الآمن لهم و العمل الداعم لحياتهم بحيث يصبح لديهم هدفاً يعيشون من أجله وحافزاً يدفعهم للنهوض من أسرتهم . وقد تابعت كيف تمت مساعدتهم في العيادات المرحّبة بهم والتي وفرت لهم جواً دافئاً يمكنه أن يعرفهم بكيفية استعادة أحاسيسهم بعد أن جُرحت لسنين وألجأتهم لتعاطي المخدرات في صمت .
إحدى مجموعات المدمنين تم تزويد أفرادها بقرض لتأسيس شركة إنشاءات فكانت المفاجأة أن الجميع اندمج مباشرة في العمل كفريق واحد مترابط يتحمل أحدهم مسؤولية رعاية الآخر ، ومندمجين تماماً مع المجتمع .
وإليك نتيجة كل ذلك الآن .. وفق دراسة مستقلة قامت بها جريدة “الجريمة” البريطانية وُجد أن الإدمان انخفض بشكل كبير بعد إلغاء تجريم متعاطي المخدرات ، كما انخفض معدل تعاطي المخدرات عن طريق الحقن إلى 50 بالمئة. ولابد أن أكرر ذلك : استخدام الحقن لتعاطي المخدر انخفض من قبل 50 بالمئة من المدمنين .
لقد كان إلغاء التجريم نجاحاً واضحاً حتى أن القليل جداً من البرتغالين أراد العودة للنظام السابق . المعارض الرئيسي لإلغاء التجريم في عام ال2000 كان جو فيجويرا الضابط الأهم في محاربة المخدرات والذي حذر كل التحذيرات المريعة مما سيحدث بعد إلغاء التجريم مصرحاً : “يجب أن نتوقع ازدياذ الجرائم والمدمنين بعد إلغاء التجريم” . لكن عندما التقيت به في ليزبون ، أخبرني بأن كل ما توقعه لم يحصل- وهو الآن يتمنى أن يتبع العالم بأسره ما قامت به البرتغال .
إن ما سبق لا يتعلق فقط بالمدمنين .. إنه يخصنا جميعاً لأنه يجبرنا على التفكير بشكل مختلف . البشر مخلوقات إجتماعية بطبيعتها .. إننا نحتاج للتواصل فيما بيننا ، نحتاج الحب . لقد كانت الجملة الأكثر حكمة في القرن العشرين لـ إي.إم. فورستر : ” التواصل فقط”، لكننا خلقنا محيطاً وثقافة أبعدتنا عن التواصل الفعلي أو أنها قدمت لنا التواصل بشكله المزيف الساخر عبر الانترنت .
إن ازدياد الإدمان ماهو إلا عرض لخلل أعمق في الطريقة التي نعيش بها ، دائماً نوجه أنظارنا للسلعة اللامعة التالية التي يجب أن نقتنيها أكثر مما نلتفت للنفوس البشرية من حولنا ، وهذا ما دعاه جورج مونبيوت بـ “عصر الوحدة” .. لقد أنشأنا مجتمعات بشرية يمكن للمرء فيها أن يتحلل بسهولة من جميع العلاقات الإنسانية أكثر من أي وقت مضى . بروس ألكسندر صاحب فكرة منتزه الفئران ، كان قد أخبرني بذلك منذ مدة طويلة ، وتحدثنا عن الشفاء من الإدمان للأفراد ، ولابد لنا من الحديث عن شفاء المجتمع –كيف يمكننا أن نشفى معاً من مرض العزلة التي تغمرنا جميعا كضباب كثيف .
إن هذا الحدث الجديد بالنسبة لنا ليس مجرد تحدٍ سياسي ، إنه لا يجبرنا فقط على تغيير آرائنا بل يجبرنا على تغيير قلوبنا أيضاً .
أن تحب المدمن هو فعلاً أمر صعب .. عندما نظرت إلى من أحبهم من المدمنين ، كان من المغري دائماً أن أتبع نصيحة الحب القاسية التي يمليها علينا واقع يبدو صحيحاً –أخبر المدمن أن يتكيف أو أن تبتعد عنه . الرسالة هنا أن المدمن الذي لن يقلع عن الإدمان سنتجنبه ، إنه منطق الحرب على الإدمان الذي انتقل إلى حياتنا الخاصة .. لكنني حقيقةً تعلمت أن ذلك المنطق هو ما يعمق الإدمان لدى المدمنين –وقد تخسرهم تماماً- هكذا عدت إلى وطني مصمماً على إدماج المدمنين في حياتي بشكل أقرب من أي وقت مضى، لكي يعلموا بأنني أحبهم وبدون أي شروط ، سواء توقفوا عن إدمانهم أو لم يستطيعوا ذلك .
المترجم و تدقيق : رنا الصابوني
تدقيق لغوي : راما الشامي
تنسيق : جوني
إقرأ المزيد من المقالات الممتعة والمفيدة :