الإبتزاز العاطفي لعبة العاطفة الخادعة
“ليس بمقدوري فهم الحياة بدونه , لايمكنني تخيل نفسي بدونه , مازلت أحبه ومازال هو/ هي عذابي الكبير
ما الذي يحدث ؟ ! كيف لي أن أعشق عذابي معه , كيف لي أن أجد شغفي في عذابي معه ,إنني ضائع في حبها تارة و أراها هي أملي الوحيد في الحياة وتارة أخرى , أراها تعاملني كأنني غريب ..يااالا الغرابة !! ما الذي يحدث؟!!”
كثيراً ما نسمع هذه العبارات النابعة من تجارب مأساوية عاشها ويعيشها أصحاب هذه المقولات وهم في حيرة من أمرهم , لقد ضاعوا في دوامة الابتزاز العاطفي دون أدنى معرفة بأنهم حقيقة يعيشون تحت رحمة هذا الابتزاز الذي في أساسه يعتمد على ضياع وتشتيت قوى الفرد العاطفية وإنهاكها الى أن يصل هذا الشخص الى مرحلة التعلق المرضي بالطرف الأخر الممارس لعملية الابتزاز العاطفي وينساق طوعاً وراء متطلباته تحت مسميات يعتقدها الشخص الخاضع للابتزاز العاطفي بأنها حقيقية غير أنها في الواقع ماهي إلا مجرد مسميات اخترعها ليقنع نفسه بأنه مازال يعيش في ظل توازنه النفسي ,
كمثل تسميات العشق والتعلق والحب المتماهي وغيرها هذه التسميات لها مكان ووضع آخر , لكنها في الحقيقة تستخدم في حالات الابتزاز العاطفي وللأسف من الطرف الرازخ تحت نير الابتزاز قبل أن تستخدم من قبل الشخص المتقصد للابتزاز ذاته
حقاً ! ما الذي يحدث ؟
لنبدأ من جذر المشكلة لنفهم مايحدث وأعطني حواسك جميعها قليلاً :
الطفل سواء كان ذكراً أو انثى فهو وتبعاً للتكوين العاطفي والذي يعتبر جزءاً مهماً من التكوين النفسي خلال السنوات السبع الأولى يحتاج إلى مايسمى الاشباع العاطفي وهنا يأتي دور الأسرة وبالأساس الأم والأب وبالأخص الأم في عملية الاشباع هذه, والوعاء العاطفي الضخم للطفل في هذا العمر يكون جاهزاً لاستقبال كل الاشارات العاطفية من الابوين سواء القصودة منها ام لا بهدف تشكيل بصمته العاطفية فتصبح هذه المهمة عبئاً حقيقياً للاسرة وبالأخص في حالات تعدد الاطفال في المنزل والذي يجبر الأب والأم على توزيع عواطفهما على الاولاد , ناهيك عن الجهل في مايسمى الاشباع العاطفي من ناحيتهما نحو الطفل لنصل الى نتيجتنا الاولى نحو طريق الابتزاز العاطفي وهي “نقص الاشباع العاطفي” لدى الطفل أولى أسباب الخلل العاطفي .
نعم و”مرت هذه المرحلة ” يقول الكثير معقباً !!
حسناً لنرى !
تتوالى الصدمات العاطفية بعد مرور السنوات الست الأولى للطفل بدءاً من الفطام إلى دخول المدرسة والانفصال العاطفي المباشر المصاحب لها عن الأسرة والإستقالية المبدئية والاختلاط القلق مع الجنس الأخر في مرحلة المراهقة مع تصاعد اللهجة المعادية من الأهل نحو المراهقين ورفضهم المحاولة الأخيرة للإشباع العاطفي من قبل المراهق والتي نراها في سلوكيات تتعلق بممارسات كمحاولة الاستقلالية الشخصية والاهتمام بالمظهر من الذكر والاثنى وهنا تبدأ أول محاولات المراهق والمراهقة الذان يعانيان من نقص الاشباع في البحث عن هذا الاشباع في الطرف الآخر ..ولما لا ! وقد أصبح الهرمون ينال مايناله فيهما , وهنا تبدأ بوادر الابتزاز العاطفي ويظهر جلياً نقص المناعة العاطفي لمن يعانون نقص الاشباع والذين وبهدف الاشباع ينساقون بشكل كامل وراء محاولات الاشباع التي يقودها سيد العملية النفسية (العقل الباطن )
والذي يجعل الشخص يعاني تماماً من عمى الوعي وشلل في ادراك الواقع على حقيقته وبالتالي يصبح أسيراً للشخص الذي أتى أخيراً ..ليس على حصان أبيض هذه المرة بل بعاطفة تبدو كأنها بيضاء ويمارسه عادته في اشباع العواطف , وهنا أستذكر ما بدأت به مقالتي من مقولات من يعانون الابتزاز العاطفي ” ليس بمقدوري فهم الحياة بدونه , لايمكنني تخيل نفسي بدونه”
الآن فهمتم مايحدث أليس كذلك ؟ لكن أسمعكم تقولون نريد المزيد ..وليكن سأكمل وبسرور
كيف يبدأ الابتزاز العاطفي ؟
بالرغم مما استعرضته بشكل مختصر لأسباب نقص الاشباع الذي يعتبر العامل الاساسي في تقبل الشخص لعملية الابتزاز بدون وعي منه غير أن هناك عوامل مباشرة واقعية تحسم الموقف وتبدأ بعملية الابتزاز من طرف الرجل أو المرأة على السواء, وهنا نتحدث عن عشرات الاشكال من الابتزاز العاطفي التي يستخدمها الشخص المبتز والتي تتعلق مباشرة بحاجته الشخصية المطلوبة من الطرف الخاضع للابتزاز وعملية الابتزاز كلها ,أذكر من هذه الاشكال : المادية – الجنسية- النفسية – الاجتماعية – وبعض الاحيان الروحية ..هذا غريب أليس كذلك ؟ !
نعم فبعض المبتزين يستغلون علاقتهم العاطفية بشكل مادي وهذا نعرفه جميعنا والبعض الاخر بشكل جنسي وهذا واقعي جداً, ولكن النفسي ! والذي يمارس بين الازواج عادة فهو مالم نسمع عنه من قبل !, والاجتماعي ايضاً من قبل الاسرة نفسها الاب والام والاخوة والذين أيضاً يمارسون هذا الشكل من الابتزاز العاطفي لخدم جانب معين عندهم.
هل سمعت قبل بالتهديد بحرمان الزوجة من قبل الزوج بعدم رعاية الاولاد في حال التفكير بالانفصال ؟
هل سمعت بتهديد الزوج للزوجة بالزواج من أخرى في حال فكرت بالتقصير في واجبها الزوجي؟
هل سمعت باستغلال محبة الفتاة لاهلها واخواتها وتزوجيها زواج مبكر أو زواج مصلحة أو تابع لمطمع مادي ؟
وهل سمعت باستغلال بعض الأزواج لمحبة زوجاتهن أو العكس بوضعهن تحت الاقامة الجبرية الجنسية او مايسمى الشذوذ الجنسي بين الاوزاج ؟
وسمعت ربما بإبتزاز بعض المجتمعات لأفرادها بعواطفهم لاهداف دينية او اجتماعية تلبي إما سمعة المحيط أو مصلحة بعض الافراد في المجتمع !
استعرضت من خلال هذه الاسئلة للكثير من اشكال الابتزاز التي تأتي تحت عنوان الابتزاز العاطفي ..
هل استغربتم ان الابتزاز ليس مقتصراً على حالات العلاقات بين عشيق وعشيق وامتدت لتصل للعائلة والمجتمع ؟!
إذن الأمر كبير وخطير! فاستغلال العاطفة وتعذيبها من أجل مكاسب من الطرف الاخر أصبح كشفها أمراً ملحاً في زمننا الحاضر ولايمكن السكوت عليها, ففي كل يوم نسمع بحالات اغتصاب وتزويج وبيع للنساء وحالات قتل وانتحار تعود أسبابها للابتزاز العاطفي بشكل مباشر كسبب رئيسي لها!
حسناً تريدون أن تعرفوا إن كنتم ضحية للابتزاز العاطفي ؟
سأستعرض بعض الدلائل التي تشير لوقوع الشخص تحت تأثير الابتزاز العاطفي :
– التجاهل المتعمد بعد فترة عاطفية حميمة تكون عادة في بداية العلاقة العاطفية وتمكنها .
– تهويل الأحداث والأخطاء الذي يقوم بهالشخص الخاضع للابتزاز من قبل الممارس للابتزاز
– التظاهر بالتمارض أو كسب الشفقة من قبل الطرف الآخر
– اللجوء الى البكاء وخاصة من قبل النساء بشكل مستمر لكسب التعاطف ورجوع الشخص عن قراره او تلبية حاجته من فبل الطرف الاخر
– التوتر الدائم والقلق غير المبرر ومحاولة نقل التوتر الى الطرف الأخر من قبل صاحب الابتزاز
– الاستغلال المادي من الطرف المبتز المصاحب بالتهديد المستمر
– استجداء العطف بتعابير براقة عاطفياً مثل : ليس لي سواك في هذه الدنيا
والآن جاء الدور لنتحدث عن أساليب التعامل مع عملية الابتزاز أو الوقاية منها
– أهم شيء مطلوب في البداية هو التعرف نفسياً على الشريك قبل التعرف عاطفياً عليه بهدف معرفة طبيعته النفسية وهل هو سوي نفسياً ام لا , أو هو من أي طبيعة نفسية وهو لأي نمط يتبع
– علينا دائماً تسمية نوعية عاطفتنا مع الطرف الأخر بشكل صحيح هل هو صديق أم معجب أو محب أو عاشق أو زميل أو رفيق أو نشفق عليه أو متعلقين به
– علينا أن نتعلم أن نقول” لا ” في الوقت المناسب وبالطريقة المناسبة لأن أغلب الذين يقعون تحت وقع الابتزاز العاطفي لايستطيعون قولا “لا” وهذا يساعد الطرف الاخر على الاستمرار في الابتزاز والتمادي فيه
– منذ بداية العلاقة يفضل وضع الكثير من الفواصل والحدود بهدف صنع مسافة أمان لعاطفتنا كي لانكون عرضة للتماهي مع الأخر لدرجة ننسى شخصيتنا ونغدو ملكاً للأخر ومتطلباته.
والآن افتح عينيك جيداً وأعد ترتيب حياتك العاطفية بطريقة جميلة خالية من أي ابتزاز عاطفي ..أنا أنتظرك في منطقة الأمان العاطفي