كُنْ فعّالاً … و تعلَّم مهارات الاتّصال
علي عبد الرحمن فرحو – أكاديمية نيرونت للتطوير والإبداع والتنمية البشرية
في حياتنا العمليّة نلتقي أشخاصاً كُثر ، منهم من نرتاح للحديث معهم ، و منهم من ننفر منهم فور لقائهم ، فما السرّ في ذلك ؟؟!!
هذا السؤال جوابه يكمن في تعريف ما نسمّيه مهارات الاتّصال : و هي مجموعة الطّرق و الوسائل الّتي يستطيع من خلالها فردٌ ما في إيصال الفكرة أو مجموعة الأفكار إلى المتلقّي ، بحيث يحصل منه على قبولٍ تامٍّ لاستقبال تلك الأفكار .
و مهارات الاتّصال لا يملكها كلّ واحدٍ منّا ، قد يقول فلانٌ إنّني ناجحٌ في عملي ، و لكن ليس بالضّرورة أنّه يملك ما سمّيناه بمهارات الاتّصال .
قد نتساءل هاهنا : وكيف يمكن لشخصٍ ما أن يملكها في حين أنّ آخرين يفتقدونها ؟؟!!
هذا الأمر يتعلّق بشخصيّة الإنسان ذاتها ، فمهارات الاتّصال تحتاجُ إلى شخصٍ ذكيٍّ يملك سرعةً في البديهة ، و يستطيع أن يُخرِجَ نفسه من أكثر الأمور تعقيداً بجرأته و مهارته في الفعل و ردّ الفعل .
ومهارات الاتّصال من الأمور الضّروريّة الّتي يجب توافرها في كلّ إدارةٍ تسعى للّنجاح ، فنجاح أيّة إدارة مرهونٌ بقدرتها على الاتّصال الفعّال ، و قد أثبتت الدّراسات أنّ 85 % من النجاح يُعزَى إلى مهارات الاتصال، و15 % منه فقط يعزى إلى إتقان مهارات العمل، و لكي يتواصل أيّ مديرٍ مع الآخرين عليه أن يحسن استخدام أساسيّات التّواصل ، و أنْ يبني جسراً متيناً بينه و بين موظّفيه ، من خلال كسب ثقتهم و إقناعهم بمصداقيّة الحديث .
ما هي فوائد مهارات الاتّصال ؟
هي من أهمّ متطلّبات الحياة في وقتنا الرّاهن ، لأنّ العمل في أيّ مجالٍ كان يحتاج إلى جماعات تعمل معاً ، و هذا الأمر يتطلّب قنوات اتّصالٍ بين تلك الجماعات ، و هذه القنوات يجب أن تملك مزايا معيّنة لتحفيز الآخرين ، و بالتّالي تطوير العمل و تقدّمه .
هي معادلةٌ بسيطةٌ و ليست معقّدة ، فعندما أذهبُ لكي أشتري شيئاً ما ، على البائع أن يقنعني بشرائه ، و إلا فسوف أذهب إلى آخر غيره ، و عندما يريد شخصاً ما أن ينصحني عليه أن يقنعني بموعظته ، و إلا فإنّني سأتجاهل كلّ كلامه ، حتّى المدرّس الّذي يعطي معلومةً للطلّاب عليه أن يجد أسلوباً للإقناع قبل أن يعطي المعلومة …
هذا الإقناع الّذي تحدّثتُ عنه يمكن أن يحصل بدون أن يمتلك الشّخص مهارات التّواصل ، و لكنّ حينَ يملكها سيكون الإقناع أسرع فيوفّر المزيد من الوقت و الجهد .
و من هنا فإنَّ مقياس نجاح أيّة إدارة يعتمد على مدى امتلاكها لكمٍّ أكبر من مهارات الاتّصال ، فالمدير في أيّ موقعٍ ما يحتاج إلى أن يخاطبَ الآخرين ، و إذا أحسّ الآخرون بالملل من كلامه فإنّهم سينصرفون بتركيزهم إلى أمكنةٍ أخرى ، و بهذا يكون المدير قد فقد تواصله مع جمهوره ، و هذه من الأسباب الرئيسيّة في نجاح أو فشل القيادات .
عمليّة التّواصل تحتاج إلى عناصر أساسيّة و هي :
المرسل و المستقبل و الرّسالة ، فما هي الميّزات التّي يجب أن يتميّز بها كلّ عنصرٍ من هذه العناصر ؟
أولاً : المرسل :
1- على المرسل أن يمتلكَ قدراً كبيراً من الثّقافة تؤهّله للخوض في المواضيع و الأفكار الّتي يطرحها .
2- عليه أن يمتلك فصاحةً في اللّسان و بلاغةً في التّعبير تجعل الآخرين يستسيغون ما يتكلّم به .
3- عليه أن يمتلك الشّجاعة و الجرأة اللّازمتين لا تّخاذ القرارات و الرّد على أكثر ما يحيّر المتلقّي .
4- يجب أن يكون على درايةٍ كاملةٍ بالأسلوب الّذي يخاطب به كلّ شخصيّةٍ من الشّخصيّات الّتي سيقابلها ، فالتّعامل مع الرّجل يختلف عن التّعامل مع المرأة ، و التّعامل مع إنسانٍ عصبيٍّ يختلف عن التّعامل مع إنسانٍ هادئ .
5- مهارات الكتابة : فعلى المرسل أن يكون ملمّاً بطرق الكتابة النّاجحة ، و على هذا الأساس يجب أن يكون على درايةٍ كاملةٍ بقواعد اللّغة الّتي يكتب بها ، إضافةً إلى امتلاك قاموس للكلمات في عقله الّذي يعطي الأمر بالكتابة .
6- لغة الجسد من الأمور المهمّة في العمليّة التّواصليّة ، و لغة الجسد تشمل الإشارات و الإيماءات ، و نظرات العيون و تعابير الوجه ، و إذا أتقنت لغة الجسد فهذا سيسهّل عمليّة الاتّصال بالآخرين بشكلٍ أكبر .
ثانياً : المستقبل :
1- على المستقبل أن يتّصف بحسن الاستماع و التّركيز عند الإنصات ، و ألا يجول بفكره خارج الموضوع المطروح من قبل المرسل ( طبعاً هذا يعتمد على مهارة المرسل في جذب انتباه المستقبل ) .
2- امتلاك الثّقافة و المعرفة ، فمن الصّعب أن أفهم موضوعاً ما و أنا لا ألمُّ بالمعرفة اللازمة لفهمه ، كأن أكونَ شاعراً و أستمع إلى محاضرةٍ في التّشريح الطّبّي !! ، و لكنّ هذا الأمر ليس مطلقاً ، فبالتّدريب و الممارسة يستطيع الإنسان العاديّ أن يصل إلى مستوياتٍ لم يصل إليها الإنسان الذّكيّ بالفطرة ، و كم هم عديدون الأدباء و الكتّاب الّذين تركوا بصماتٍ واضحةً في كتب الأدب ، و هم بالأساس لم يكملوا أكثر من التّعليم الابتدائيّ .
3- القراءة : على المستقبل أن يكون قارئاً من الطّراز الرّفيع ، لأنّ كثيراً من الرسّائل تأتي مكتوبةً ، فحبّ القراءة سيجعله أكثر تركيزاً أثناء تلقّي تلك الرّسالة من المرسل .
4- محاولة اكتساب أكبر كمّ من المصطلحات اللّغويّة لكي تساعدة في فكّ كل شفرات الرّسالة .
ثالثاً : الرّسالة :
1- الحقيقة و البعد عن الخيال : يجب أن يكون مضمون الرّسالة حقيقياً ليس فيه مبالغةٌ أو مراوغة ، فالمستقبل ينفر من الكذب و الخداع ، و لا يؤمن بالخياليّ ، بل يريد أمراً واقعيّاً يحصل بنسبة مئةٍ بالمئة .
2- الوضوح في المعنى و المبنى : على الرّسالة أن تكون واضحة المضمون بعيدةً عن الفلسفة الّتي تدور حول المواضيع و لا تطرحها مباشرةً ، و أيضاً يجب أن تكون الكلمات في الرّسالة واضحةً مفهومةً ، و غالباً يتمّ اختيارها بحسب المتلّقي و مستوى فهمه للّغة .
3- عنصر التّشويق : على الرّسالة أن تكون مشوّقة تجذب المستقبل إليها ، فتنبّه تركيزه ، و لا يكاد يكون هناك ثانيةٌ من التّقطيع عند تلقّيها .
و الرّسالة الموجّهة من المرسل إلى المستقبل تتّخذ اشكالاً عدّة ، فمنها ما يكون لفظيّاً ، و هو الكلام الّذي نتفوّه به ، و منها ما يكون صوتيّاً ، و تعتمد على نبرة الصّوت بروزاً و انخفاضاً اعتماداً على التّحفيز أو التّهدئة ، و منها ما يكون بصريّاً و لاسيّما تعابير الوجه و حركة الجسد ، و لابدّ من اتّحادٍ بين هذه الأشكال الثّلاثة لكي يتمّ توصيل الرّسالة المراد توجيهها إلى المستقبل .
و قبل النّهاية لابدّ من مجموعة من النّصائح لكلّ إداريٍّ يسعى إلى نجاحه ، و هذه النّصائح تبقي قنوات التّواصل مفتوحةً بينه و بين الآخرين ، و تجعل الاتّصال أكثر نجاعةً و فعاليّةً :
1- مخاطبة المشاعر و الأحاسيس عند المتلقّي : فالعاطفة بوّابة دخول الذّهن و التّفكير ، و الاتّصال الفعّال يبدأ من العاطفة و ينتهي بالعقل .
2- إتقان لغة الجسد ، و بخاصةٍ لغة العين ، فالمدير النّاجح يُشعر الآخرين بالارتياح من خلال حركاته و نظراته ، فعندما تخاطب مجموعةً ما يجب أن تنظر نظرةً عامّةً و شموليّةً نحو الجميع ، و بعد ذلك تنظر إلى كلّ واحدٍ بمفرده ، و أيضاً يجب أن تنتبه إلى وضعيّة الجسم أثناء الكلام ، فعليك أن تكون منتصب القامة عند الوقوف ، و منتصب الظّهر في حالة الجلوس فإنّ الوضعيّة تُشعر الطّرف المقابل بأنّك أكثر سيطرةً و بأنّك في أعلى درجات الجدّيّة .
3- الابتسامة أثناء التّواصل من الشّروط المهمّة لعمليّة الاتّصال ، و هنا نقول الابتسامة و ليس الضّحك ، فالتّبسّم هو حركةٌ للفكّين لا يرافقها الصّوت ، و هذه الابتسامة ستجعل من الآخر يفتح لكَ أفكاره ، و يتابع ما تطرحه بانتباهٍ و ارتياح ، و قد تجعل ابتسامتك الطّرف الآخر يتغاضى عن بعض الخلل إنْ حدث ، و لكن يجب ألا ننسى أنّ الابتسامة الحقيقيّة هي الّتي تخرج بصدقٍ من الأعماق ، و هي أشدّ تأثيراً من تلك المصطنعة .
4- الاهتمام بالمظهر الخارجيّ و الهندام : هنا قد يخالفنا البعض مدّعين بأنّ مضمون رسالة المرسل أهمّ من مظهر المرسل نفسه ، و لكنْ و بناءاً على تجارب عديدة ، تبيّن أنّ المظهر الخارجيّ كان له الدّور الكبير في إنجاح عمليّة التّواصل ، و على المرسل أنْ يتخيّر مظهره بحسب المناسبة و بحسب المكان ، و هذا ما سيترك انطباعاً جيّداً لدى الجمهور ، وبذلك يتقبّل ما يُطرح من أفكارٍ و معلومات .
5- المحافظة على الشريط التّفاعليّ بين المرسل و المستقبل ، فإذا أردنا تحفيزَ شخصٍ ما علينا أن نُشعره بأنّه محطُّ اهتمامٍ من قبلنا ، و هذا ما سوف يعزّز ثقة المستقبل بنفسه ، و سيزيد من حماسته للدخول في صلب المواضيع ، و بالتّالي زيادة تركيزه في عمليّة التّواصل .
6- ترك الانفعال و ضبط الأحاسيس : كثيراً ما تحدث هذه المشكلة في المؤتمرات الصّحفيّه ، حيث يقوم صحفيٌّ ما باستفزاز الشّخص الّذي يجري المؤتمر من خلال أسئلةٍ محرجةٍ له ، و هنا يأتي دور مهارات الاتّصال ، فالشّخص النّاجح يستطيع أن يكتم انفعاله ، و يجيب عن السؤال بطريقةٍ طريفةٍ تصرف نظر الآخرين عن السؤال نفسه ، بل ينسيهم في لحظةٍ ما محتوى السؤال .
و أخيراً و ليس آخراً فإنّ موضوع مهارات الاتّصال موضوعٌ أكبر من أن يقال بمقالةٍ ما ، و لكن أخذ فكرةٍ عنه خيرٌ من عدم معرفته البتّة.