أحياناً ما يدفعنا الفضول نحو الأشخاص من حولنا، أو حتى الكائنات الأخرى المحيطة بنا، وتدعونا للتساؤل حول تصرفاتهم، فمثلاً إن كنت تقتني حيواناً أليفاً كالقطة، سيثير الفضول بداخلك تساؤل فهم تصرفاتها، فمتى تحرك ذيلها؟ أو ما دلائل شعورها بالخوف، بالحب، بالسعادة أو الطمأنينة؟
وهذا ما يدفعك لمراقبتها ليلاً نهاراً حتى تستطيع أن تعرف أو بالمعنى الأدق أن “تفهم” ما تحتاجه وتفهم تصرفاتها المختلفة، وهكذا أيضاً البشر..اختلفنا جنساً، عرقاً، لغةً، ولوناً رغم أننا ننحدر من نفس الفصيلة البشرية، إلا أن لكل منا طباع وعادات وتقاليد مختلفة! فتلك الطباع والتصرفات وكل ما يؤثر عليها، يدرسه علماء الاجتماع، فيطلق على الدراسات البشرية بالأخص التصرفات والعادات الاجتماعية بـ “علم الاجتماع”، وهذا ما سنتناوله تفصيلاً فيما يلي متضمناً المفهوم والنشأة وكل ما يخص على الاجتماع.
مفهوم علم الاجتماع
يختص علم الاجتماع في دراسة كل ما يتعلق بالمجتمعات البشرية من تفاعلاتها، والعمليات التي تسبب تغيير بها، من خلال مراجعة الركائز الأساسية للمجتمع كالمؤسسات، السكان، الجنس والعمر والعرق.
فيختص أيضاً علم الاجتماع بدراسة التغيرات الاجتماعية، والتقسيم الطبقي، والإضطرابات المجتمعية متمثلةً في الجريمة والثورات، كما أنه يتنوع بين القانون والدين، الأسرة والدولة، الاستقرار والتغير الاجتماعي، بالإضافة إلى أنه يسلط الضوء على التعقيدات التي تتسبب بالعواقب لتصرفات الإنسان، ويبحث في كل ما يخص الفقر، الرأسمالية، التحيز، التعليم، العمل، التحضر، الهجرة، السلام وحتى التنمية الاقتصادية والنمو السكاني، وما إلى ذلك من ظواهر تؤثر على حياة الإنسان.
لذا تقوم مهمة علماء الاجتماع على البحث والتحليل، فيبدأوا بجمع الأدلة حول الحياة الاجتماعية من خلال وسائل مختلفة وتشمل:
- وضع مجموعات من البشر تحت الملاحظة لمراقبة تصرفاتهم وعاداتهم الحياتية.
- نشر استبيانات على نطاق واسع، تتضمن تصرفات اجتماعية حتى يتكمكنوا من جمع أكبر قدر ممكن من البيانات.
- مراجعة الوثائق التاريخية، ومقارنة بين الماضي والحاضر، وسبب تلك التغييرات في الحالة الاجتماعية، والنتائج وراء تلك التغييرات.
- تحليل بيانات التعداد السكاني.
- إجراء تجارب على مجموعات من المتطوعين، ووضعهم في موقف معين، ويبدأعلماء الاجتماع في تدوين ملاحظاتهم الخاصة عن تصرفات المجموعات المختلفة.
- إجراء تجارب معملية.
وتعد تلك التجارب ذات أهمية في تطوير المجتمع وتطوير النظريات والفرضيات المتاحة، وعلى الأقل فهو يمنح فرصة للأشخاص لاستكشاف العالم الاجتماعي الذي نعتبر إحدى ركائزه، ويُشكل حياتنا، فهو لا يهتم بالأمور والفرضيات المسلم بها، لكنه يشمل أموراً أعمق من ذلك، تتضمن تحليلات للعلاقات الاجتماعية والثقافات المختلفة والبيئات المتنوعة.
نشأة علم الاجتماع
استجابة الإنسان للتغيرات من حوله بالأخص التغيرات الاجتماعية، كانت السبب في ظهور علم الاجتماع.
بدايةً من القرنين السادس عشر والسابع عشر، انطلق الأوروبيون في رحلات لاستكشاف العالم، جامعين قصصاً عن حضارات ومجتمعات كأفريقيا والأمريكتين وغيرهما بالتأكيد.
وجود ثقافات مختلفة وممارسات اجتماعية متنوعة قد غير من وجهة نظر أن حياة الشعب الأوروبي هي الحياة النموذجية التي خلقها الله.
وفي القرنين التاليين -أي القرنين الثامن عشر والتاسع عشر-، حدثت ثورة تكنولوجية في العلم والاقتصاد وأصبحت البلاد في تطور سريع، فمثلاً من تلك التطورات، اختراع جيمس وات للمحرك البخاري في عام 1769 تحديداً، أما في عام 1865 فقد اكتشف جوزيف ليستر مبدأ ضمادات الجروح، حيث يمكن منع العدوى بوضع حاجز مُطهر أعلى الجروح.
منحت تلك التطورات أملاً، فالمنهج العلمي قد يساعد في تفسير كل ما يتعلق بالمجتمع والعالم الطبيعي، مشاراً بذلك إلى الاتجاه العقلاني.
وما إن حلت نهاية القرن التاسع عشر، حتى بدأت الثورة الصناعية في بريطانيا العظمى، فانهار النظام الحاكم القديم ببريطانيا على يد الديموقراطية الثورية والصناعة كما ذكر عالم الاجتماع الأمريكي روبرت نيسبت.
تسببت الثورة في هجرة العمال إلى المدن للعمل بالمصانع الجديدة بسبب نمو الصناعات الميكانيكية، وما إن استقروا في المدينة وكونوا مجتمعات ووحدات اجتماعية جديدة مع غيرهم، حتى ازدحمت المدن وضَعُفَتْ السلطة التقليدية متمثلةً بالكنيسة، بالإضافة لتقلص أهمية العائلة والقرية بسبب حياة المدينة.
وكل ذلك أثر على الحياة الاجتماعية لأولئك الأشخاص وتسببت في تغيرات جذرية في حيواتهم.
واستكمالاً لأثر الثورة في بريطانيا، ازداد انتشار مبدأ الرأسمالية في أوروبا الغربية، حيث أن المصانع ووسائل الانتاج والصناعة الأخرى يمتلكها عدد قليل من الأغنياء المسيطرين على الصناعة في أوروبا، فانتشرت الأسواق المالية غير الشخصية.
وفي تلك الأثناء، شهدت تلك الفترة انخفاضاً كبيراً في معدلات وفيات الأطفال، وطول الأعمار، وذلك مجتمعاً قد أدى إلى نمو ضخم في التعداد السكاني.
ما سبق ذكره أجمع، هو عبارة عن تغيرات اجتماعية هائلة، فنرى ثورات سياسية، تغيرات اقتصادية وابتكارات علمية كذلك. وهذا ما أثار رغبة في تطوير العلوم الاجتماعية. فبدأ المفكرون وعلماء الاجتماع في ربط تلك التغيرات السابقة بالتحولات الكبيرة في المجتمعات الريفية البسيطة التي تحولت إلى مجتمعات صناعية معقدة.
بعض مؤسسي علم الاجتماع
أوغست كوميت – Auguste Comte
فيلسوف فرنسي، ويعرف كرائد علم الاجتماع، وأول من استخدم مصطلح علم الاجتماع، أعتقد أوغست أن تطور المجتمع يعتمد على عدة مراحل منها:
- دينية.
- ميتافيزيقية أو تجريدية.
- علمية.
مثيراً الجدل حول أن المعرفة العلمية المعتمدة على الحقائق وليست الخرافات، هي ما يحتاجه المجتمع، ظنناً منه أن المراحل الدينية والمتيافيزيقية تعتمد عل مضاربات فيما تقدمه.
رأى أوغست أيضاً أن مهمة علماء الاجتماع تتمثل في تطوير قاعدة علمية بالمعرفة الاجتماعية، والتي سترشد المجتمع إلى واجه إيجابية.
وقسم علم الاجتماع إلى فرعين:
- الديناميكيات – Dynamics، أي دراسة الطريقة التي تتغير بها المجتمعات.
- الإحصائيات – Statistics، وهي دراسة المعاناة التي تواجهها المجتمعات.
هربرت سبنسر – Herbert Spencer
الفيلسوف البريطاني، مؤلف كتاب “الجل ضد الدولة”، وصاحب مقولة: “البقاء للأصلح”، أي الأغنياء، الأقوياء والناجحون، فأولئك أختارتهم الطبيعة للبقاء، بينما الآخرون حكمت الطبيعة عليهم بالفشل، وهذا ما يخلق توازناً بالمجتمع، وتدخل الحكومة في مساعدة الفئة المغلوب على أمرها يتسبب بخلل في هذا التوازن التي خلقته الطبيعة، حيث أن بذلك الفعل تتحدى الحكومة قوانين الطبيعة، لكن لم يشاركه الكثير رأيه.
كارل ماركس –Karl Marx
فيلسوف ألماني، ومؤسس الشيوعية، فكان ماركس من أضداد الرأسمالية التي انتشرت وكره استغلال الأغنياء للمجتمع بشكل واضح، ورأى ماركس أن المشاركة المتبادلة بين فئات الشعب هي ما يخلق الاتزان المجتمعي والاستقرار، فكان مناهضاً لرأي سبنسر، وأشار أنه لا علاقة للطبيعة في تحديد الاختلافات بين الطبقة البرجوازية -الغنية ذات المال والسلطة والقوة-، والطبقة البروليتارية -الضعيفة مختصرةً في العمال-، وأن النظام الاقتصادي هو ما قرر الاختلافات والمعايير المجتمعية، بالإضافة أنه يقرر الأعراف والمعتقدات الدينية والسياسية، كما يتحكم في النظم التعليمية بالمجتمع.
صنف بعض علماء الاجتماع العلم ذاته من عدة جوانب، فمثلاً دوركهايم –Durkheim، قسم علم الاجتماع إلى ثلاثة أقسام رئيسية:
- المورفولوجيا الاجتماعية – Social morphology: يتمثل في البيانات المبدئية التي قد تؤثر على الجوانب الاجتماعية كالكثافة السكانية.
- الفيسيولوجيا الاجتماعية – Social physiology: يتناول الأمور الدينية، الأخلاقية، ويبحث في القانون والاقتصاد والسياسية أيضاً.
- علم الاجتماع العام – General sociology: القوانين والضوابط العامة.
بينما سوروكين –Sorokin، عالم الاجتماع الأمريكي، قد قسم علم الاجتماع إلى أربعة فروع أساسية:
- علم الاجتماع الكوني – Cosmo-sociology: يرتكز على فكرة وحدة البشرية، فهناك مجتمع واحد يضم الجميع، والذي يتضمن معيار أخلاقي، بالإضافة إلى التعاملات الاقتصادية.
- علم الاجتماع الحيوي – Bio-sociology: يختص هذا الفرع بدراسة العلوم السلوكية والاجتماعية.
- علم الاجتماع العام – General sociology: فيتعامل هذا الفرع مع الظواهر الاجتماعية والثقافية للمجموعات المختلفة من البشر، ويضم جانبان:
- الجانبالديناميكي: يختص بدراسة عامل التفاعلات الاجتماعية.
- الجانبالهيكلي: لكن هذا الجانب يختص بدراسة عامل آخر وهو المجموعات المختلفة والمؤسسات بالإضافة إلى علاقاتهم ببعضهم البعض.
- علم الاجتماعالخاص- Special sociologies: يدرس ظاهرة اجتماعية بعينها، فيبدأ عالم الاجتماع القائم على الدراسة بوضع دراسة تفصيلية شاملة كل جوانب الظاهرة.
أفرع علم الاجتماع
اختلفت التصنيفات عن الأفرع، فالأفرع تتضمن تقسيم العلم إلى فئات تصف الظواهر المدروسة وتحددها، ويشمل علم الاجتماع على ما يقرب من ثلاثة عشر فرعاً، متمثلين في:
- علم الاجتماع النظري – Theoretical Sociology: يشمل النظريات ذات التصورات المختلفة تكمل بعضها البعض، فعلى سبيل المثال؛ فأفكار الشخص تحدد تفاعله مع المجتمع الذي بدوره يحدد سلوكه.
- علم الاجتماع التاريخي – Historical Sociology: يدرس آثار الحضارات والحروب والعوامل التاريخية على السلوكيات البشرية.
- علم اجتماع المعرفي – Knowledge Sociology: فيدرس تأثير البيئة بمعرفة وشخصية الإنسان، فدائماً ما يتأثر الشخص أثناء تكوينه المعرفي بالبيئة والمجتمع المحيط، فتحدد ثقافته وتقاليده وأعرافه الخاصة المأخوذة من ثقافة المجتمع الذي نشأ به.
- علم الاجتماع الإجرامي – Criminology Sociology: هذا الفرع يختص بمعرفة ما يدور في عقل المجرم، فما إن عُرف كيف يعمل عقل المجرمين فستُتاح الفرصة لوقف الجرائم.
- علم الاجتماع الديني – Religion Sociology:يقارن بين معتقدات الأديان وبعضها.
- علم الاجتماع السياسي – Political Sociology: يتعامل مع الأحزاب السياسية ومدى تأثير المجتمع بها وبالمعتقدات الفكرية السياسية المختلفة.
- علم الاجتماع الاقتصادي – Economy Sociology:يدرس الأوضاع الاقتصادية للطبقات المجتمعية.
- علم الاجتماع الصناعي – Industrial Sociology: يدور حول كل ما يتعلق بالانتاج والصناعات والتفاعل بين كل المُوَظِف والمُوَظَف.
- علم الاجتماع الريفي – Rural Sociology:يتناول طرق عيش المجتمعات الريفية بشكل أوسع مقارنةً بالمجتمعات الحضرية.
- علم الاجتماع الحضري – Urban Sociology: بينما هذا النوع يتناول المجتمعات الحضرية بشكل أكبر بكل ما يخصها من تغيرات.
- علم الاجتماع الديموغرافي – Demography Sociology: يدرس كل ما يتعلق بالنمو السكاني على مدار الأعوام السابقة.
- علم اجتماع الأسرة – Family Sociology: يدور حول أهم ركائز المجتمع وهي الأسرة ونشأة وتربية الأطفال.
- علم الاجتماع التربوي – Education Sociology: يتناول كل ما يخص المؤسسات التعليمية والتغيرات الحادثة بها.