ماذا تفعل إذا تعرضت لإساءةٍ قاسية؟
ما هي ردّة فعلك صديقي حين يعجز صاحبك عن الوفاء بعهده؟ أو حين يغدر بك شريكك في العمل؟ بل ما أنت فاعل حين يخونك شريك الحياة؟ ياله من أمرٍ يصعب على من تفانى بالبذل والعطاء خاصة، فيأتيه المقابل مخيّباً للأمل، إن لم أقل صادماً.
جوابي هو: لا تفعل شيئاً
لا تفعل شيئاً. ثق بي صديقي، أن “الآخر” كائناً من كان، هو إنسان مثلي ومثلك يستحق العطف. لم يتغيّر لوحده كما تتخيل، بل كلاكما تغيّر بطريقة ما، مهما صعُب عليك الاعتراف بذلك. يحتاج منك الحبّ أولاً، ثم احكم على تصرّفه ثانياً، وليس العكس. من الخطأ ألا تحترم إرادته. انقد تصرّفه المُسيئ إن شئت ولا تنقد صاحبه. لكن تذكّر: قليلون هم القادرون على التضحية. قليلون هم القادرون على العطاء رغم مشاعرهم الحقيقيّة. وهذا ما يجعل فرص الحصول على حبّ دائم وإخلاصٍ حقيقيّ، مع عطاء غير مشروطٍ أمراً نادر المصادفة هذه الأيام.
إدراك الآخر هو المفتاح
حريّ بك أن تدرك أن “الآخر” يفعل ما يخدم حقائقه ولا يبتغي إيذاءك. يفعل ما يؤاتي مصلحته، ولا قدرة ولا رغبة في التفكير بمصلحتك. ربما كان قلقاً، أو متوجساً أو ناقماً على هو فيه أو أنانياً. لكنّه لا يأبه بحالك على النحو نفسه. ومهما حاولت، فلن تغير من طريقة تفكيره وسلوكه. ما تستطيع التحكّم فيه هو ردود أفعالك وحسب. عليك أن تضع ذلك كلّه في الحسبان كلّما شعرت بالغُبن من أحدهم أو لمست خيانةً أو كذباً أو إساءة. واقعك المستجد، هو أولى بك بالتخطيط والتفكير وإعادة الترتيب، وليس ما حصل بذاته.
الردّ الخاطئ:
من السهل إلقاء اللوم عليه، والغرق في تداعيات التفكير في “قبيح” سلوكه، وعدم التفكير في ردود فعلك مهما كان مستواها متدنياً. أو النظر إلى ردودك الصاخبة على أنها نتيجةٌ حتمية لمشاعرك الملتهبة. لست أنفي هنا حتمية الحزن الذي يصيب الضحية، بل أزعم أن الحزن يتبع الطريقة التي تستقبل بها الضحية ما بلغها من إساءة. ردود الأفعال الانعكاسية لا تضرّ سواك، ونفسك إن سوّلت لك فعل الشرّ حين تجلس وحيداً، هي ألدّ أعدائك.
اقرأ في هذا الصدد: لمَ نرتبط بالزوج (أو الزوجة) الخطأ؟
أمامك أحد طريقين:
أن ترفض الحقيقة الواقعة كلياً، وتضيع جهدك وقوتك وأوقاتك في مقاومتها، أو أن تتأمل في ما يساعدك على تخطّيها، وفي السبل التي تستطيع بها توظيف الواقع الجديد لخدمتك أنت. بحيث تخرج فائزاً أمام ذاتك قبل كلّ شيء، وبحيث تبدو منتصراً أمام الآخرين، لا منكسراً.
الردّ الصحيح:
تصرّفات الآخرين لا تستهدفنا بقدر ما تستهدف تغيير واقعهم، وسلوكنا لا يجب أن يستهدف تغييرهم لأنه خارج نطاق ما نملك، بل يجب أن يستهدف كيفية التكيّف مع الواقع الحالي. ما نملكه هو الحقائق المتصلة بنا، مشاعرنا، أفكارنا، واختياراتنا. وحدنا نملك القدرة على الانهيار والغرق في تداعيات الألم واجترار الهزيمة، أو التماسك وتحمّل مسؤولية تحويل ما حصل إلى قوة باعثة على الاستمرار والنجاح في حياتنا. أن قابلت الإساءة بالإساءة، تكون قد أسأت لنفسك ولقيمك الفاضلة التي كنت تسمو بها. إن هبطت من غير وعيٍ إلى المستوى الذي هبط إليه من أساء إليك، فأي فضل بقي لك عليه؟
اقرأ في هذا الصدد: اثنتا عشرة وسيلة للتغلب على الحزن
إليك ما تحتاج إليه:
تذكّر صديقي أنك في الأصل تحزن ممن كان يوماً سبباً لسعادتك. تحتاج التعاطف والتسامح. ليس بمعنى أن تسامح ”الآخر“ وتتقرّب إليه بالضرورة، ولكن أن تحترم إرادته. تحتاج التأمّل والتعالي فوق الظروف. تحتاج أن تدرك أن ما عليك التحكّم فيه هو نفسك، وليس الآخر: تحتاج إعادة توجيه أفكارك بدل الجدال العقيم معه. تحتاج تأليف مشاعرك، بدل محاولة اللعب على عواطفه. وتحتاج صياغة مواقفك وتصرّفاتك بما يخدمك أنت ويخدم مستقبلك، وليس بناءً على تصرّفه. وباختصار: تحتاج أن نركّز اهتمامك على ذاتك، وليس عليه.