“أنا لا أخاف الموت.. بل أخاف الموت دون أن أحيا” أحمد خالد توفيق
“أنا يا رفاق أخشى الموت كثيرًا، ولست من هؤلاء الذين يرددون في فخر طفولي: نحن لا نهاب الموت.. كيف لا أهاب الموت وأنا غير مستعد لمواجهة خالقي! ” أحمد خالد توفيق
“حتى موته جاء مثيرًا كروياته.. حزينًا كأبطاله النبلاء.. ثابتًا كمضامينه الخالدة…”
قليلون هم من يؤثر فينا رحيلهم؛ ذلك أنهم ألهمونا بطريقة ما، ولعل أحمد خالد توفيق هو على رأس القائمة، ذلك الأب الذي أرشدنا بل وأمتعنا بكل حرف سطره فكره الفريد وشعوره النبيل، ليتربع على العرش كأول كاتب عربي يبرع في الخيال العلمي والفانتازيا وأدب الرعب، غير أنه أشهر الكتاب في أدب الشباب، بل حتى أنه يُعتبر أديب الشباب الأول بالوطن العربي، ذلك أنه حبب إليهم القراءة بإسلوبه الجذاب المشوق، وشخصياته الأدبية الفريدة كشخصية (رفعت إسماعيل) بالإضافة إلى قربه الفكري والأدبي منهم وحرصه على التواصل الدائم معهم.
فلا شك أن يأتي خبر وفاته عقب أزمة صحية كالصاعقة، انتفضت لها قلوب جماهيره الغفيرة ومحبيه في كل أنحاء الوطن العربي عامةً ومصر خاصةً..
حياته
وُلد العراب 10 يونيو عام 1962 بمحافظة الغربية – طنطا، وتخرج من طب طنطا 1985، كما حصل على درجة الدكتوراة 1997، الأمر الذي أثر على كتابته وشخصياته -أول شخصياته كانت طبيب لأمراض الدم- وبعد انضمامه للمؤسسة العربية الحديثة 1992، شرع في كتابة سلسلة الرعب (ما وراء الطبيعة) في يناير 1993، والتي حققت نجاحًا رائعًا رغم عدم شيوع هذا النوع من الأدب في وطننا العربي آنذاك؛ الأمر الذي حفزه لكتابة سلاسل أخرى منها: سلسلة سافاري، وسلسلة فانتازيا، وسلسلة روايات عالمية للجيب، بالإضافة لبعض الأعداد الخاصة، وروايات مثل السنجة ويوتوبيا، وغيرها من مقالات سياسية واجتماعية نُشرت بشكل دوري في بعض الصحف والمجلات العربية.
كان دكتور أحمد خالد توفيق متزوجًا من طبيبة تُدعى منال، وله منها ابن وابنة، وقد أًصيب بنوبة قلبية عام 2011، تكررت عام 2015؛ مما جعله يخضع لجراحة زرع جهاز يقوم بعمل صدمة كهربائية تلقائية كلما توقف النبض، وتم إجباره من قبل الأطباء على الإقلاع عن عادة التدخين. إلا أنه في الثاني من إبريل توفى إثر نوبة قلبية مفاجئة فطرت قلوب محبيه.
أعماله وإنجازاته
فيما يلي نلقي نظرة على أهم أعماله..
_ كما قلنا بدأ مسيرته الأدبية بسلسلة (ما وراء الطبيعة) في المؤسسة العربية الحديثة، حيث كانت أسطورة مصاص الدماء أولى رواياته، والتي لم تلق استحسانًا، إلا أنه قام بمقابلة رئيس المؤسسة أ/حمدي مصطفى، والذي قام بتشكيل لجنة أخرى لتقييم الرواية، وقد كان من ضمنها أ/نبيل فاروق صاحب سلسلة رجل المستحيل، والذي ذكّى العمل بشدة وأبدى إعجابه بالإسلوب المشوق ووضوح الفكرة، وترابط الأفكار والحبكة الروائية؛ فترى كتابات العراب النور.
وجدير بالذكر أنه صدر من هذه السلسة ما يقرب من 80 عدد، غير الأعدد الخاصة. واعتُبرت أكثر الأعمال انتشارًا وأروعها لدى الجمهور. بشكل عام هي سلسلة رعب مكتوبة بأسلوب ساخر.
بطل السلسة هو (رفعت إسماعيل)؛ طبيب أمراض دم سبعيني أعزب يشتهر بحكاياته عن ذكريات وأمور خارقة للطبيعة سبق أن تعرض لها بالفعل، كما يحكي ما يصل إليه بالرسائل من أحداث مرعبة خارقة للطبيعة. حتى أنه أُستقبل في برنامج إذاعي (بعد منتصف الليل) عن الخوارق.
_ أما ثاني أعماله فكانت (سلسة فانتازيا)، شرع بها د/ أحمد خالد توفيق عام 1995، والتي تدور أحداثها الخيالية حول جهاز ما إن يوضع على رأس الإنسان حتى يتصل بعقله ويتعرف على ذكرياته وتجاربه وما لديه من معلومات وأفكار ومعتقدات، ومن ثم يؤلف قصة يعيشها المستخدم!
بطلة السلسلة تُسمى عبير -هي السلسلة الوحيدة للعراب التي كانت لها بطلة نسائية- التي أدمنت على استخدام هذا الجهاز، ولأنها قارئة نهمة؛ فقد كان لها العديد من المغامرات في عوالم مختلفة، منها ما هو تاريخي، ومنها ما هو أدبي أو خيالي، كما كان يحدث أن يتندمج العوالم سويًا في بعض الأوقات؛ مما جعلها تقابل الكثير من الشخصيات الشهيرة، على سبيل المثال: هتلر، تشي جيفارا، سوبر مان، وسيبويه.. إلخ. وقد صدر من هذه السلسلة 63 عدد، ولم تنتهي حتى الآن..
_ عام 1996 بدأ العراب سلسلته الثالثة (سافاري)، والتي تدور أحداثها حول طبيب مصري غادر مصر وسافر للعمل في الكاميرون بمنظمة سافاري الطبية هناك. تحتوي السلسلة على الكثير من المعلومات في الطب وجغرافيا القارة السمراء وشعوبها وتاريخها وما بها من أمراض متأصلة، ومشاكلها السياسية والتدخلات الأجنبية والسحر والمعتقدات الغريبة. وصدر 52 عدد من هذه السلسلة، ولم تنتهي حتى الآن هي الأخرى..
_ أما سلسلة (روايات عالمية للجيب)، فمن بدأها كان د. نبيل فاروق حتى العدد رقم 7، ومن ثم تولى مسئولية إكمالها العراب، حيث قام د. أحمد خالد توفيق بترجمة واختصار وتبسيط وتنقيح أعظم الأعمال الأدبية عالميًا، مثل: رحلة إلى مركز الأرض لـ جون فيرن، ورواية 1984 لـ جورج أورويل، وأليس في بلاد العجائب لـ تشارلز لوتويدج دودسون، والفك المفترس لـ بيتر بينشلي، وجزيرة الدكتور مورو لـ هربرت جورج ويلز، والدكتور جيكل والسيد هايد لـ روبرت لويس ستيفنسون، وموبي ديك لـ هيرمان ملفيل.. إلخ.
وهكذا صدر من هذه السلسلة حوالي 81 عدد، ولم تنتهي حتى الآن..
_ سلسلة الرعب (رجفة الخوف) المترجمة عن سلسلة “Shivers” لـ د. سبنسر، وسلسلة ( WWW) المترجمة عن دايموند بوك ودار ليلى للنشر.
_ رواية (يوتويبيا) السوداوية والتي تدور حول مستقبل مصر 2030 وكيف تنقسم لطبقتين!
_ رواية (السنجة) التي تدور أحداثها ما بين الفنتازيا والواقعية حول كاتب مغمور ينتقل لحي جديد محاولًا كتابة شيئًا واقعيًا ناجحًا، فيحاول التقرب من أهل الحي الذين ينفرون منه ويبغضونه، كما يسعى وراء تفسير كلمة كانت قد كتبتها فتاة قبل انتحارها على الجدار بالرشاش (إسبراي).
_ كما للعراب مجموعات قصصية قصيرة مثل (الآن نفتح الصندوق)، و(قوس قزح) والتي كتبها بالتعاون مع تامر إبراهيم، و(عقل بلا جسد). غير مقالاته الدورية مثل (مجموعة قصاصات قابلة للحرق)، و(فقاقيع)، و(زغازيغ)، ومقالات أخرى لجرائد اليوم الجديد، والتحرير الإخباري، وإضاءات. ونجد له تراجم مثل (نداي القتال)، وموسوعات كـ (موسوعة الظلام)، و(هادم الأساطير) المرعبة بالتعاون مع سند راشد دخيل، وغيرها من روايات كـ (يوتوبيا)، و(السنجة)، و(إيكاريوس)، و(في ممر الفئران)، و(حظك اليوم)، و(لست وحدك)..
وهكذا كان دكتور أحمد خالد توفيق غزير الإنتاج، كما ستدرك من أعماله كيف كان دائم الانشغال بقضايا وأحوال مجتمعه ومستقبله بطريقة جعلته مقربًا بشدة للشباب، بل وزرعت الحب في قلوب كل من قرأ له.
وبالأخير،
قال أحد الكتاب “أريد أن يُكتب على قبري –جعل الأطفال يقرأون” أما دكتور أحمد خالد توفيق فكان يقول: أما أنا فأريد أن يُكتب على قبري: “جعل الشباب يقرؤون”، وبالفعل ودعه أبناؤه اليوم بكل حب كما أراد..