العاطفة الالكترونية
قبل هذه الأيام كان أمامنا متسع من الوقت والحياة للتأمل والعاطفة والحب والاشتياق, كان ثمة متسع للحنين المؤلم أكثر وحتى لقاءات العاشقين كان لها رونقها الخاص..فكل رونق ونحن بخير..وكل عاطفة الكترونية ونحن أشبه بضباب القمم التي تهيىء نفسها لسقوطها الحر في وادي الضحكات المكتوبة والمشاعر المشبوهة والرغبات المكبوتة .
لست من مناهضي الانترنت أبداً , بل تكاد تراني شخصياً أكثرهم تواصلاً على متنه وأغلب الوقت يرافقني وأرافقه. ولكن لنسأل أنفسنا : هل نحن نتعامل مع الانترنت بواقعية (كما هو) أم نستخدمه لنحقق ما نعجز عنه في الواقع وليكون هو فرحنا وحزننا وحبنا وكرهنا واشتياقنا وحنيننا حتى نصل الى درجة أن الواقع أصبح عبئاً علينا ونخاف مواجهته فلم يعد لدينا حين نلتقي مانقوله , استنزفنا كل عاطفتنا الكترونياً .
عن التواصل الواقعي أتحدث. ضع يدك في يدي لنتفق أولاً أننا فقدنا عنصر التواصل الواقعي واتكأنا على الانترنت بوصفه وسيلة أكثر سرعة وراحة من التواصل الواقعي ففي محادثة (الشات) لست مضطراً لتمنح الطرف الاخر لغة جسد معينة ليشعر انك تفهمه بل أنت في المنزل تجلس كما تريد وتعيش طقسك الطبيعي بينما تتواصل مع أكثر من شخص في نفس اللحظة وهنا تبدأ مأساة العاطفة الالكترونية ,
كيف لنا أن نتواصل مع ثلاثة أو أربعة أشخاص في لحظة واحدة ما السر في هذا الأمر ,لماذا لانعتذر من باقي الاطراف ونتحدث مع طرف واحد فقط ,هل في ذلك نشوة التواصل ؟ نعم هي شكل من اشكال محاولة الاشباع النفسي و العاطفي والاجتماعي
نعم ..هو الاجتماعي المكبوت الذي يستسلم لأول حضن الكتروني يصدفه وما أن تذهب غباشة الضباب الى ان تراجعني عشرات النساء والرجال ويشتكون من زيف العلاقات والعاطفة الالكترونية والخطير في الأمر أنك ترى ارتدادت هذه النكسات العاطفية على الواقع بدءاً من الأهل وليس انتهاءاً بقراراتنا ومعتقداتنا وقيمنا وحتى طبيعة رؤيتنا للوطن والانسانية.
يقول أحد باحثي جامعة كاليفورنا (البيرت ماهارابيان) أن لغة التواصل تقسم الى نسب معينة تتدخل بشكل مؤثر في ايصال افكارنا وعاطفتنا حيث يرى في نظريته أن (الكلام يحتل فقط 7% ونبرة الصوت 38% بينما لغة الجسد لها النصيب الأكبر 55%)
حين نُسقط هذا الكلام على التواصل الالكتروني فهو لايحقق كحد أقصى اكثر من 10 % , فماذا عن الـ 90% الضائعة ؟! إذن : كيف تشكلت هذه العاطفة عبر هذا الجدار الالكتروني وماسببها؟!!!
الجواب هنا بمثابة الصدمة فالعاطفة تشكلت كما تريدها انت وليس على حقيقتها فأنت لم تحب شخص ما كنت لم تلتق به في الواقع لأنه استطاع استحواذ قلبك او حتى انه يستحق بل لأنك أنت قد قررت مسبقاً وعن سابق فراغ عاطفي ونفسي بأنك بحاجة الى اي شخص يمكنه فقط استيعابك ومنحك قوت عاطفتك اليومية ,
فكم من امرأة ورجل يقتاتون بشكل يومي ولحظي أحياناً على فتات ما يستجدونه من الاخرين للتعاطف معهم يمكنك ببساطة أن تلاحظ المنشورات التي تجتاح مواقع التواصل مدى الانفعال السريع والمريب فيها بالاضافة الى تقلب المزاج الغير مبرر ناهيك عن تأثير ذلك في الواقع فتكاد لا ترى حديثاً قد يفتح في أيامنا هذه الا وقد أخذ الانترنت حظ الأسد فيه .
“التواصل عبر الانترنت أفضل وسيلة لسوء الفهم “. دائماً أكرر عبارتي هذه في أي مناسبة قد أتواجد فيها وبالأخص حين يتباكى أمامي الكثيرون نتيجة سوء فهم الاخر لهم ومنعهم من التواصل الجيد معهم
حسناً : كيف لك أن تنتظر من نسبة ضئيلة في التواصل ان تحقق لك نجاحاً في التواصل ,وهل يمكنك الاستغناء عن رؤية كيف تبتسم لك حبيبتك وكيف تومئ لك وكيف تنطق بكلماتها امامك بنفس الكلمات التي كانت تقولها على الشات لكن هنا لها رونق خاص ومميز ..فكل رونق وانت بخير وكيف تعشق زوجتك عبر الانترنت لكن في البيت ربما لك رأي آخر ..فكل رأي وانت بخير وكيف يصبح وقتك مشنقة يتلاعب بها الفيسبوك كيفما شاء وكأنك في موت مؤجل فكل موت وأنت بخير..