إحدى الظواهر المتفشية في عصرنا الحالي، أو كما يمكننا أن نطلق عليها أنها أصبحت “موضة” من الكبار قبل الصغار، تلك الظاهرة هي التنمر أو بالإنجليزية bullying، لطالما اُعتُبِر كفترة أو عادة يمر بها الأطفال أو المراهقون، تلك الفترة تكون في مرحلة ما قبل المدرسة، حتى يصل هذا السلوك إلى حد الذروة له في السنين الدراسية المتوسطة، نتيجةً لتعدد الأماكن المتاح فيها تلك الأفعال، بدءًا بحافلات المدرسة وحتى المقصف.
وأثر التنمر لا يؤثر على الشخص الذي قد تعرض للتنمر فحسب، بل يشمل الأمر أيضًا أولئك الذين شاهدوا تلك الحادثة.
رغم ذلك، فإن بعض المجتمعات لا تُدرك أن التنمر هو مشكلة رئيسية في الصحة العامة، لذا فمن المهم تركيز وعي المجتمع، شاملًا ذلك كلًا من: الأهالي، المنشآت التعليمية والقائمين عليها مدرسين أو مديري مدارس على حدٍ سواء، جهات الرعاية الصحية وحتى الجهات السياسية.
تعريف التنمر
عُرف التنمر أنه سلوك عدواني، عنيف وغير مرغوب فيه، يدرك فيها الشخص أو يتصور عدم اتزان في القوة بينه وبين الواقع عليه فعل التنمر، هذا السلوك وتكراره يبُث الخوف في أولئك المتعرضون له مسببًا مشاكل وحواجز نفسيًا أكبر.
يمكن أن تختلف المسميات من مجتمع لآخر، لكنها أولًا وأخيرًا جميعها يشمل هذا التعريف، فممكن أن يُطلق عليه: بلطجة أو تسلط.
لكن حتى إن اختلفت المسميات، فلن يختلف الفعل، لذا فإن من صور التنمر:
- تهديد الأشخاص.
- نشر شائعات.
- الاعتداء على الشخص إما لفظيًا بالشتم، أو جسديًا بالضرب.
- استبعاد الشخص وحرمانه من التواجد في المجموعات الرياضية أو حتى الاجتماعية.
- إجبارهم على فعل أشياء غير راغبين بها.
دوافع التنمر
- استعراض القوة: أحيانًا يكون الشخص المتنمر يتميز بقوة جسدية أو حتى لديه معلومات محرجة يمكن استغلالها ضد أحد الأشخاص.
- استغلال الشعبية: فيكون لدى الطفل المتنمر نفوذ وسلطات في الواقع ليست من حقه، لكن هذا يحدث كثيرًا في المدارس.
إحصائيات عن التنمر
وفقًا للمركز الوطني للإحصاءات التعليم (NCES) عن إحصائيات لعام 2017، فإن 20% من الطلاب الذين يتراوح أعمارهم بين 12 إلى 18 عام قد تعرضوا للتنمر خلال عام دراسي واحد، وهذه النسبة من قبل كانت قد وصلت إلى 29%، وكما نرى بالرسم البياني التالي والذي يوضح النسب المختلفة لصور التنمر، فإن:
- 13.4% كانو قد تعرضوا للتنمر من خلال انتشار شائعات عنهم.
- 13% تعرضوا للتنمر بالسخرية أو أُطلق عليهم أسماء المُهينة.
- و 5.3% كانت نسبة الذين تم عرقلة طريقهم، تم دفعهم ليسقطوا أرضًا، أو البصق عليهم.
- 5.2% قد تم استبعادهم من ممارسة الأنشطة.
- 3.9% تعرضوا للتهديدات والتعدي عليهم.
- 1.9% أُجبروا على فعل أشياء غير راغبين بفعلها.
- 1.4% قد دُمرت إحدى ممتلكاتهم.
وإليكم أيضًا صورة بإحصائيات توضح أكثر الأماكن التي يمكن أن تحدث بها حالات التنمر، وتخص نفس الدراسة السابقة، ونرى أن من أكثر الأماكن التي مُرس بها التنمر كانت الممرات والأروقة كأعلى نسبة، داخل الفصول الدراسية في الترتيب الثاني، ويليهم المقصف في المرتبة الثالثة.
صفات المتنمرين
عادةً ما يتسم الشخص المتنمر ببعض الصفات، ومنها:
- متطفل.
- قاسي.
- لا يُراعي مشاعر الآخرين.
- قليل الاحترام للغير.
- يستمتع بالتسبب في الأذى.
- أناني.
- انتهازي.
- سيكوباتي أو يعاني من اضطراب عقلي.
هكذا صور كليف بودي الشخص المتنمر في إحدى محاضراته التي ألقاها على منصة تيديكس بجامعة هانز، حيث ألقى محاضرة تحت عنوان “التنمر والمرضى النفسيين في العمل”، مستطرقًا أن أولئك المتنمرين لا يشعرون حيال أفعالهم بالذنب أو بتأنيب الضمير، لكن على العكس فهذا الشعور يُرضيهم وينامون دون الإحساس بثُقل على قلوبهم نتيجة أفعالهم، مبررًا أنهم خالي المشاعر والأحاسيس، ولا ضمير لهم في الأساس.
لذا من الخاطئ التعاطف من الشخص المتنمر إذ أن بعض الإعلانات تصور أن المتنمر قد يشعر بالخزي من أفعاله، لكن هو لا يدرك ذلك من الأساس، بل تلك الأفعال تُرضي شعوره. فالمتنمر يستغل شعور عدم الأمان لدى فريسته إن صح التعبير، فقد شبه بعض علماء النفس أن المتنمر يشبه الحيوان الخائف، فكرد فعل مسبق يبدأ بهجوم عدواني. لكن يمكن للإنسان أن يواجه الخوف بطرق عدة منها بالتأكيد، التنمر ومهاجمة الآخر إن تحققت الدوافع السابق ذكرها بالإضافة لبعض العوامل الأُسرية، لكن آخرون قد يتجهون إلى مسار الإدمان والكحوليات، أو حتى إيذاء النفس والانتحار.
وبناءًا على ضعف شخصية المتنمر وقلة تقديره لذاته، فهذا تحديدًا ما يُثبت أنه لا يشعر مطلقًا بمقدار الأذى الذي يتسبب به لغيره.
أثر التنمر
كما ذكرنا فإن المتنمر لا يتأثر بالضرر، لكن التنمر يُرضي غروره أو بالأحرى يُرضي ضعفه، لكن الأثر الأشد والأسوء يكون على من وقع عليهم التنمر، في أغلب الأحوال يكونون أشخاصًا حساسين، ويشعرون بالضعف ولهذا يستغلهم المتنمرين دونًا عن الباقي، فيميلون للعزلة والخجل، ولكن أحيانًا يصل بهم الحال إلى التسبب في الأذى لأنفسهم.
فالأشخاص الذين يتعرضون للتنمر يكونون أكثر عرضة لـ:
- الاكتئاب والقلق، فتزداد مشاعر الحزن ويفضلون الوحدة.
- فقدان الشهية وتغير في نمط الأكل، وأيضًا يعانون من اضطرابات النوم.
- فقدان الشغف والاهتمام بالنشاطات التي يستمتعون بها.
- قلة التركيز وانخفاض المستوى الدراسي.
- التغيب أو التسرب من المدرسة.
- ويكونون أكثر عرضة للانتحار خاصة في الأشخاص الذين لا يتلقون دعم عائلي أو من الأصدقاء.
بينما الأشخاص الذين شاهدوا مواقف التنمر:
- التغيب من المدرسة.
- مشاكل كالقلق والاكتئاب.
- زيادة في استخدام الكحوليات أو شرب السجائر.
أنواع التنمر
تعددت أنواع وأشكال التنمر، سواء التي يتعرض لها الأطفال وطلاب المدارس وحتى البالغون، وقد شملت:
تنمر جسدي – Physical bullying: والذي يشمل الضرب، الركل، العرقلة، اللكم أو تدمير إحدى الممتلكات الشخصية، وتلك الأشكال من العنف تترك أثرًا في جسد المعتدى عليه وليس فقط أثرًا نفسيًا.
تنمر لفظي – Verbal bullying: يتمثل في الإهانة والشتائم بألفاظ نابية وغير مقبولة أخلاقيًا، تهديد شفوي، استخدام ألقاب مهينة واستخدام ألفاظ عنصرية أو عرقية.
تنمر اجتماعي – Social bullying: أو أحيانًا يعرف بالتنمر الخفي، إذ أنه لا يتم في وجود الشخص المعتدى عليه بل يتم إساءة سمعته بأشياء تسبب له الخزي. ومن أشكاله:
تقليد بشكل ساخر.
الحث على استبعاد الشخص اجتماعيًا.
نشر شائعات تضر بسمعته أو قبوله الاجتماعي.
تنمر إلكتروني – cyber bullying: قد انتشر بنسبة كبيرة، نظرًا لسهولة استخدام وانتشار مواقع التواصل الاجتماعي، ويشمل:
ابتزاز بصور أو مقاطع فيديو مسيئة ونشرها على مواقع التواصل.
الاستيلاء على الصفحات الشخصية.
نشر الشائعات على مواقع التواصل الاجتماعي.
مكافحة التنمر
نظرًا لأن مواقع التواصل الاجتماعي قد أصبحت أماكن لانتشار التنمر الإلكتروني، لذا فالقائمون على تلك المواقع بدأوا في تطوير مواقعهم ومراجعة المحتوى الذي قد يتضمن انتهاكات أو أساليب تنمر.
جهود تطبيق الانستاجرام في مكافحة التنمر
وفقًا لكلام آدم موسيري، رئيس تطبيق الانستاجرام وهو موقع يتم نشر وتداول الصور ومقاطع الفيديو به، فإن الشركة بدأت باستخدام تقنية الذكاء الأصطناعي والذي يكشف عن الصور أو مقاطع الفيديو التي تحتوي على أي إساءة والتي يتم رفعها على موقع الانستاجرام، وعند الإبلاغ عنها ومراجعتها فيتم مسحها من حساب الشخص.
جهود موقع الفيسبوك في مكافحة التنمر
فأيضًا بمساعدة الذكاء الاصطناعي والخوارزميات، فإن الفيسبوك لديه المقدرة في معرفة إذا كان شخصٌ ما في خطر من خلال جمع وترتيب الكلمات التي يستخدمها هذا الشخص، وبنفس الفكرة تحديد المنشورات التي تحتوي على نوع من التنمر.
كيف تتخطى التنمر
- من المهم التحدث مع أحد البالغين الذي تثق به، سواء أحد الوالدين أو أحد المعلمين، لا تشعر بالخجل أبدًا من التحدث ولا تكبح مشاعرك.
- تجنب الأماكن التي من المحتمل حدوث تنمر بها.
- محاولة البقاء داخل مجموعات، وبالأخص يفضل مجموعات من البالغين.
- ظاهرة التنمر متفشية, وعلاج التنمر ايضاً موجود, لذلك لا تبالغ بردة فعلك.
- وإن كنت ممن شاهدوا مواقف التنمر؛ يمكنك أن تعامل الشخص الذي تعرض للتنمر بلطف، وحاول أن تشعره بالأمان وأنه شخص مرغوب فيه.