التربية بالحب مع ريم خضور

التربية بالحب مع ريم خضور

هناك مقولة يابانية تقول : اذا اردت أن تحصد بعد شهور ازرع شجر

                                 واذا اردت أن تحصد بعد سنين ازرع بشر

عالم الطفولة هو الأرض الخصبة التي نستطيع أن نزرع فيها بذور مجتمع قوي متماسك ، لأنه العالم الذي خلق دون هموم  ومع الأيام تتراكم الأحداث في حياته لتتحول إلى مشاكل مدمرة .

فلماذا لا نحاول أن نكبحها منذ البداية ونضع لها إطارا تحويليا. وبذلك نربي أطفالنا تربية أكاديمية تعتمد على الفطرة .

فنحن نستطيع أن نستفيد من فطرتهم في التعامل لتعويدهم على إدارة أمورهم وحل مشكلاتهم وتحديد أهدافهم وإدارة وقتهم وغير ذلك . أي أن نصب تصرفاتهم الفطرية في قالب أكاديمي ليصبحوا في النهاية قادرين على قيادة حياتهم ومستقبلهم بالطريقة الصحيحة وبالتالي تتوسع مداركهم العلمية والعملية .

لماذا نحتاج لاتقان فن التربية ؟

أفردت الكتب صفحاتها وخصصتها للحديث عن الطفولة لما لهذه الفئة من أهمية تطال حياة المجتمع  

تحدثت تلك الكتب عن أدب الأطفال وقصص موجهة للطفولة . وكيفية تعديل وتأطير السلوك السلبي لديهم  وتعليمهم .  ومع تطور الحياة تطورت معها لغة حوارنا مع الأطفال . فأنت لاتستطيع أن تحدث طفل اليوم وهو ابن التكنولوجيا الحديثة بلغة ليلى والذئب والأميرة والأقزام السبعة ببساطة سيظن أنك تستخف به .

إذا مع هذه التطورات التي طرأت على أطفالنا ومع تغير معطيات الحياة والتطور الملحوظ الذي طرأ على مجتمعنا السوري من الانفتاح العملي والتقني وإتاحة فرص العمل في القطاعات الخاصة والعامة ، بالإضافة لظهور علم الموارد البشرية بقوة وفاعلية وتقديمه العديد من المقترحات العملية والعملية الهادفة إلى تحسين أداء المؤسسات وتفعيله ،

كان لابد لنا من وقفة هامة أمام هذا الجيل الصاعد وكيفية تربيته تربية نفسية علمية وعملية ليصبحوا قادرين على مواجهة التحديات المستقبلية ومؤهلين عندما يكبروا لينشئوا مشاريعهم الخاصة فيعملوا ويساعدوا غيرهم على العمل مما يخفف من حدة البطالة ومن عدد رواد المقاهي من الشبان العاطلين عن العمل . ويرفع سوية المجتمع العلمية والعملية و يدفع عجلة التقدم والتطور نحو الأمام.

 

والسؤال الآن هل يكفي ان نكون فقط مربيّن؟

جواب هذا التساؤل لم يكن سهلا أبدأ فأنت كشخص تمتلك أمانة غالية وضعها الله تعالى بين يديك وحملك رسالة غالية وهي اعمار الكون بالحب …

عليك أن تتقن فنا راقيا ومثمرا يعمل على تحويل التربية الى متعة وتشاركية وهو فن التربية بالحب  وهنا يكمن سر نجاح بعض المربين وعدم نجاح آخرين ..

هل تعلم أن نجاحك قائم على عدد مرات احتضان طفلك باليوم وتقبيله وفي كل مرة تعمد الى توجيه طاقة جميلة ومختلفة له تمنحه النمو المتكامل الذهني والنفسي والفكري والجسدي .

وأن تحليك بقيم جميلة مثل الصبر يعطيه وقتا لينمو بهدوء .

فكما أن شجرة البامبو الصينية تحتاج بعد زراعتها إلى أربع سنوات دون أن ترى عدا برعم صغير يخرج من البصلة وفي ذلك الوقت تضرب الشجرة بجذورها الليفية المتينة في الأرض وفي السنة الخامسة يصل ارتفاع الشجرة عن سطح الأرض 80 قدما. وكذلك نحن في أسرنا نعمل ونبذل الوقت والجهد كي نرى النمو والنضج ولكننا لا نرى شيئا لمدة أسابيع أو شهور أو حتى سنوات . لكن إذا تحلينا بالصبر سوف ندهش بعد وقت من سرعة  النمو والتغيير الإيجابي .

كيف نستطيع من خلال خطوات عملية بسيطة أن نمنح ابناؤنا الحب ؟

هناك سلسلة من الخطوات سنعرض جزء منها في هذا المقال وسنقوم على التركيز بشكل دوري كل مرة على قيمة او سلوك بسيط نستطيع من خلاله أن لانكون فقط مربين ناجحين بل أيضا أكثر تصالحا مع أنفسنا لذلك وكخطوات أولية أساسية لنبدأ ب:

  1. وضع الأسرة على قائمة الأولويات: إن الأوقات الأسرية الأسبوعية تشكل ردا قويا ومناسبا على التحديات التي تواجهها الأسرة اليوم ، فهي تعد أسلوبا عمليا، يمكّنك من وضع أسرتك على رأس أولوياتك والتزامك في الوقت ،هذا بحد ذاته سيعلم الأطفال مدى أهمية الأسرة  وسيبدؤون بتكوين ذكرياتهم وسيكون لديهم رصيد غني من العواطف.

إنها الوسيلة التي يمكنهم بها مساعدتك على بناء شبكة أمان لأسرتك وعلى الوفاء باحتياجاتها الأساسية (جسمانيا وماديا واجتماعيا وذهنيا وجماليا وثقافيا وروحيا) إن اللقاء الأسري يساعد على الحفاظ على كيان الأسرة كما أن له أعمق الأثر في وضع الأسرة على قائمة الأولويات. نستطيع ومن خلال هذا الوقت أو الاجتماع أن نمرر كل الرسائل التي نريدها لأطفالنا، تساعدنا على التخطيط الصحيح والتلقائي فإذا ما خططت مع أسرتك لرحلة ممتعة ووضعتم تفاصيل الخطة سيسعد ذلك الأطفال ولن يسألوا كثيرا متى سنذهب وماذا سنفعل ؟لأنهم فعلا يعرفون كل شيء بل ومشاركين في صنعه. وستتكون لديهم فكرة قوية عن أهمية التخطيط لكل شيء في الحياة وشيئا فشيئا سيتقنون طريقة التخطيط وآليته . هل هذا سيساعدهم في التخطيط لحياتهم ومستقبلهم ومشروعهم الخاص ؟

أؤكد أن هذا ما سيحدث لأن ما نهيئ أطفالنا عليه بتلقائية ، لهو السبيل الأمثل للتعلم بطريقة تفاعلية فطرية.

   2. الايجابية بالتعامل: أن نكون ايجابيين داخل أسرنا يعني أن نترك لأنفسنا مساحة للتفكير قبل أي ردة فعل يمكن أن تكون سلبية ومدمرة ، وأن نفكر قبل ردة الفعل بمشاعرنا الداخلية ومحبتنا لهؤلاء الأشخاص الذين هم جزء من كياننا قبل أن نتصرف بطريقة تفقدنا الألفة فيما بيننا . الأمر ليس بهذه الصعوبة دعونا نقول :

                          بين المؤثر والاستجابة هناك وقت للاختيار

أي بين حدوث الفعل وردة فعلنا عليه هناك مساحة حرة يمكن أن نستثمرها بفاعلية لتكون ردة فعلنا إيجابية سأدلكم على أربعة أمور يمكنها أن تساعدكم لملء الوقت بين المشكلة التي تسبب سوء لكم وبين ردة الفعل التي من الجائز أن تكون انفعالية لا داعي لها هذه الأمور هي :

1-الوعي بالذات: لأننا بشر فنحن نملك قدرة التراجع عن أفعالنا لملاحظتها،

2-الضمير: أي محاكمة المشكلة ضميريا وتقييم الأمور بعقلانية تامة فالضمير يمنحنا قدرة أخلاقية ويمثل مصدر قوة حقيقية أثناء التعامل مع الآخر.

3-الخيال: هو أن نتخيل استجابة ايجابية للمشكلة تصلح للمدى البعيد والقريب

4-الرسائل الإيجابية: وهي من نقاط القوة الإيجابية للذات والآخر والتي تمنح الطفل ثقة كبيرة بذاته وتساعد على تحسن المزاج

 

سأختم بقصة كان لها أثرا جميلا على أحد الأطفال وعائلتهم .

أثناء أحد تدريباتنا للأطفال كانت أهم بداية ننطلق منها بناء احترامهم لذاتهم وتعويدهم على الحديث الإيجابي للذات  .

وكتدريب طلبنا من الأطفال حين يستيقظوا باكرا أن يقفوا أمام المرآة ويرددوا عبارات جميلة تحفزهم على بدء نهارهم بثقة وسعادة .

وفي احدى المرات جاءت احدى الأمهات تخبرنا عن سلوك قامت به طفلتها وقد أدهشتها نتيجته . فقد استيقظت وهي في مزاج سيئ وبدأت بالبكاء ورفضت الذهاب الى المدرسة وبعد محاولات عديدة من والدتها تركتها لتوقظ أخيها وفجأة شاهدت الطفلة تقف أمام المرآة وتردد عبارات أنا سعيدة – أنا قوية – أنا نشيطة  – أنا في أحسن حال وبعد هذا التمرين ذهبت لوالدتها وأخبرتها أنها جاهزة لتناول الإفطار والذهاب للمدرسة

سلوك بسيط وتصرف هادئ من الام وعدم اتخاذ أي ردة فعل سريعة ممكن أن تعكس الموقف الى سلبي ومؤلم للطفلة . هذا الوعي ساعد الأمور أن تكون بأفضل حال.

التربية ليست فقط علم بل هي أيضا فن وحب .