سعر الذكر في سوق ” الاستثمار الجيني ” رخيص مقارنةً بسعر الأنثى، لذلك الأنثى هي التي تختار شريكها و تنتقيه بين أكثر من ذكر متقدم لها.
الارتباط عند الأنثى مكلف جداً جينياً، حيث تستثمر أنثى الإنسان مثلاً بويضة واحدة في الشهر وتصرف موارد كبيرة لإنتاجها وهي أصلاً تمتلك فقط٣٩٠ بويضة ناضجة خلال كل حياتها، إضافةً لفترة الحمل التي تستهلك طاقتها ومواردها، وبعدها تأتي فترة الرضاعة والعناية بالطفل، وهذا استثمار فاحش جداً بغلائه مقارنةً بالذكر الذي :
يكون الارتباط عنده غير مكلف من الناحية الجينية، حيث يقوم بإنتاج خلايا منوية باستمرار و دون صرف موارد كبيرة( في كل مرة قذف-٣ ثواني- ١٠٠ مليون خلية منوية ) ويستطيع إتمام العملية عدة مرات يومياً دون صرف موارد كبيرة حاضرة أو مستقبلية.
إذاً البويضة أغلى من الخلية المنوية بكثير، و عضوياً عدد الإناث أهم من عدد الذكور، لذلك تطورياً الأنثى تعتبر ” محتكرة الاختيار “ وقد وضعت قواعداً لكي تقبل بالارتباط بالذكر أو مشاركته جنسياً، حيث فرضت عليه أن يستثمر قدراً كبيراً من الطاقة في أماكن أخرى، فهو يجب أن يكون قادراً على توفير الموارد والحماية والاهتمام، ويجب أن يتصف بصفات بيلوجية تدل أنه قادر على حماية النسل ورعايته، وهي لا توافق على الارتباط به إلا بعد أن يصرف هذه الطاقة.
هذا ينطبق على غالب الكائنات الحية، فأنثى الطيور لاتقبل مشاركة الذكر قبل أن يصرف جهداً ويتعرض لعقبات وهو يبني لها عشّاً، وبعض الطيور الإناث تقوم بالتأكد بدقة من صناعة العش ومقتنياته وزينته قبل أن تسمح للذكر بالتقدم، وبذلك تضمن كل الإناث أن ذكرهن لن يتخلى عن مسؤولياته مستقبلاً كونه لن يستطيع مشاركتهن إلا إذا بنى عشاً، وهذا صعبٌ عليه في كل مرة.
إنسانياً وبتطور دماغ البشر ستدور المعادلة حول البحث عن الصفات المناسبة في الشريك جينياً و نفسياً، و من ناحية أخرى بالنسبة للأنثى تتحول لدراسة طريقة ” صرف طاقة الرجل ” الذي تريد الارتباط به، فهي تراقب وعياً ولا وعياً قبل الزواج به كيفية صرف طاقته في هذه العلاقة، فهل يصرفها بشكل متوازن ومنظّم ومنضبط و يعبر عن نسق حياة أصيل فيه؟ أم يقدمها بطريقة منفعلة، غير متوازنة، هائجة أحياناً، تعبر عن رغبات مؤقتة، أو عن سياق حياة مشوّش وغير محدد، الحالة الأولى هي التي تضمن ارتباطاً جيداً طويل المدى، الحالة الثانية تكونُ أقل ضماناً.
هذا التحليل يفتح باباً لفهم ” الغيرة ” بين الإناث والذكور من الناحية البيلوجية، حيث تحدث الغيرة عند الأنثى عندما تجد أن الذكر يحاول صرف طاقة عند غيرها و ذلك يعني أنه لا يركز على مشروعه الجيني معها أو يُنقص من التزامه بالرعاية والاهتمام، و منشئ الغيرة قديماً عند الذكر كان اهتمامه بإبعاد كل الذكور عن إنثاه حتى يضمن أن نسله سليم ويخصّه، إذاً الغيرة عند الأنثى تخص الاهتمام و تركيز الذكر، أما الغيرة عند الذكر تخص مجرد وجود ذكر آخر بجوار الأنثى.
و إن عدنا للكلام السابق فيمكننا أن نخلص لنتيجة أنه على الذكر إبهار الأنثى حتى ترضى به شريكاً، وهذا حصل تطورياً خلال آلاف السنين، حيث طوّر الذكور صفات كثيرة تجعل الأنثى منبهرة، هذه التطور جعل أغلبية ذكور الحيوانات أجمل وأكثر زينة من الإناث( الطاووس الجميل هو ذكر، الأنثى ليس لديها ريش جميل / الأسد لديه شعر يزينه، اللبوة لا تملك هذا الشعر / العصفور صاحب الصوت الجميل يكون ذكر / الألوان والزينة تتكون في الذكور، و هكذا .. )
على المستوى الإنساني الأمر أعقد قليلاً، حيث تتدخل القشرة المخية التي تعطينا وعياً يؤثر على كيفية إدارة علاقاتنا، فأنثى الإنسان بالطبع تعي حجم استثمارها الغالي لكن لا تنطبق القواعد الموجودة عند الكائنات الحية الأخرى في الارتباط عليها ١٠٠٪ ، فالذكر قادر على الاتفاق معها على تأجيل صرف موارده بعد الارتباط، و يمكن للمرأة أن تعشق رجلاً فلا تطالبه بأي ميزات تُفضّله على غيره، ويمكن أن يجبرهما الظرف الطارئ على الزواج بغض النظر عن أي عملية انتقاء، ويمكن طبعاً أن تستخدم الطريقة التقليدية التي فيها تختار الذكر بعناية وفق القواعد البيلوجية.
لذلك، مازالت البيلوجيا مؤثرة في عملية انتقاء الإنسان لشريكه، فالرجال يميلون لصاحبة الجينات الأفضل، والأنثى تميل للقادر على ضخ موارده وطاقته في هذه العلاقة.
ينجذب الرجال مثلاً لصاحبة الشفاه الممتلئة أو الصدر الممتلئ لأن ذلك يدل على صحة جينية أكبر، ينجذب الرجال أيضاً لصاحبة الجسد الذي يشكل ( ساعة رملية ) حيث تؤكد الدراسات أنه كلما زاد عرض الورك ونحالة الخصر زادت احتمالية حدوث الحمل عند الأنثى، كذلك تنجذب الإناث للشخص المنبسط و المستقر اجتماعياً و غير المنطوي حيث يعطيهنّ دلالة على أنه قادر على احتلال مركز في المجتمع و بالتالي القدرة على تأمين الموارد، وينجذبن لصاحب الجذع ( المثلثي ) حيث الأكتاف والصدر يكونا عريضين، ينجذبن أيضاً لصاحب الشعر الكثيف وهذه الصفات تدل على حيوية جينية، و قد واجه بعض الرجال الصلعان مشكلة بيلوجية في ذلك حيث أشاعوا أن الرجل الأصلع أكثر جنسانية من غير الأصلع فقط ليجذبوا الأنثى، ولم أجد دراسة علمية تؤكد هذا الأمر.
بعد كل هذا الكلام أود التذكير أخيراً بأنّ :
-علم النفس المعرفي ينصح بإنشاء تواصل وانسجام بين الشريكين خصوصاً على المستوى الفكري قبل الزواج والتأكد من أنهما قادران على العيش سوياً، وهذا جانبٌ عقلي نفسي ليس فيه أحد أغلى من أحد أو محتكر اختيار وحيد، وفي هذا الجانب قد نكتب مقالاً منفصلاً.
-علم البيلوجيا ينصح باختيار صاحب / صاحبة الجينات الأفضل والقادر على صرف موارده وطاقته في بناء المشروع العائلي.
-علم النفس التطوري الذي يجمع بين البيلوجيا وعلم النفس المعرفي ينصح باستخدام الطريقتين معاً.
أحمد فارس العلي
المصادر :