“إنه لا يفكر إلا في نفسه” ,”هذا الشخص يعشق نفسه فقط” أو” كم هو متعجرف” هي عبارات دائمً ما نصف بها أفراد يتّسمون بالنرجسية. لكن النرجسية ليست فقط حب الذات كما هو شائع. فليس كل شخص يأخذ بعض صور السيلفي هو نرجسي وليس كل من يتكلم عن إنجازاته في قيادة السيارة هو نرجسي. هؤلاء فقط يريدون, بشكل لا واعي, الاهتمام. لكن الحقيقة الصادمة يا صديقي هي أننا جميعاً نرجسيين بشكل أو بآخر. يجب أن تدرك أن الجميع يبحث عن الاهتمام سواء كان ذلك بطريقة مباشرة أو غير مباشرة.
من اللحظة التي نولد بها نحن البشر, يكون هدفنا الأساسي هو الاهتمام. فنحن كائنات اجتماعية تريد التواصل مع الآخرين وإذا لم نحصل على القدر الكافي من الاهتمام لن نستطيع التواصل مع أي شخص.
لذلك نحن نحتاج الى الاهتمام كي نشعر أننا هنا، أننا أحياء، كيف ستشعر على سبيل المثال إذا لم يعطيك الشخص الذي تتواصل معه نظرات من حين إلى آخر؟ْ من دون تواصل العين سوف نشعر بعدم الوجود وهذا سوف يؤدي تدريجياً إلى الاكتئاب. هناك من يريد أن يحقق إنجازاً كي يحصل على الاهتمام وهناك من يرتكب الجرائم من أجل نفس الغاية.
لكن المشكلة تكمن في أننا في بعض الأحيان لا نحصل على الاهتمام والرعاية من الآخرين لأنها ببساطة خارج نطاق إرادتنا، فهنالك أفراد يمنحوننا الاهتمام وهنالك آخرون لا يطيقون رؤيتنا.
إذاً كيف ستتصرف بشكل سايكولوجي في اللحظات التي يعاملون الناس بشكل سلبي من دون إظهار الإعجاب والاهتمام؟ لحل هذه المعضلة يقوم معظمنا منذ الصغر بتطوير مفهوم يسمى”الأنا” وهو تصور إيجابي عن أنفسنا ينشأ من الداخل. هذه الأنا تتألف من آرائنا, ذوقنا, رؤيتنا للحياة و قيمنا. ريثما نقوم بتطوير هذه الذات نميل تدريجيا إلى تقديس صفاتنا الإيجابية و تجاهل عيوبنا. هذا الأمر يعزز حبنا لهذه “الأنا” التي تقوم بإعطائنا “التوكيد و الأهتمام “. وبذلك تتحول كل طاقتنا نحو الداخل. نحن نصبح مركز اهتمام أنفسنا. فعندما نشعر بالوحدة والتجاهل تظهر هذه الأنا من جديد كي تقوم بتهدئتنا، وإذا كنا نمر بأوقات من اليأس و الشك, تقوم هذه الأنا مرة أخرى بتعزيز حب الذات و التقدير لأنفسنا. بمساعدة هذه الأنا نصبح غير معتمدين على تقدير واهتمام الآخرين. نحن بهذا الأمر نكون قد بنينا “أنا” صلبة. إن تطور الذات بهذا الشكل عند البشر أمر طبيعي و ضروري.
لكن ما علاقة “الأنا” بالنرجسية؟
إن الأشخاص “النرجسيين العميقين” يملكون “أنا” غير صلبة وغير متزنة. هذا الشرخ يبدأ منذ الصغر, عندما لا يحصل الطفل على الاستقلالية الكافية. أو عندما يقوم الآباء على سبيل المثال بإعطاء اهتمام أكثر من اللازم له. و هذا يضر به لأنه لا يبني” أنا” صلبة يمكن الاعتماد عليها. وبالتالي يصبح الطفل غير مستقل, مرتبط بمدى اهتمام الآخرين.
النتيجة تصبح طفل “نرجسي عميق”. إن النرجسي العميق يرى العالم خدمة لنفسه ويأخذ كل شيء بشكل شخصي دائماً. كلما تحدثت في مواضيع لا تتضمنهم مباشرة كلما ازدادت نظرات الغرابة وعدم الإعجاب. النرجسيين بعمق يكرهون الذي يحصل على الأهتمام, خاصة إذا كان باستحقاق. هم يرون أنفسهم مركز الكون و الآخرين هم أدوات للسيطرة و الخداع.
كما يوجد صعوبة لديهم في التركيز أثناء العمل لأن الأمر الوحيد الذي يشغل بالهم هو: “كيف ينظر الناس إلي” و في علاقتهم الزوجية يرون بأنه يجب ألا يملك الشريك أصدقاء لأن هذا سيبعد الاهتمام عنهم. لذلك يجب أن تكون علاقات الشريك الاجتماعية ضعيفة. إضافة لذلك, تتميز شخصيتهم الأساسية بالغطرسة.
أنت يجب أن تتجنب دوماً النرجسيين العميقين وتسعى كي لا تصبح واحداً منهم. لكن كيف؟
يكون ذلك بتطوير أحد أهم قدراتك الأجتماعية ألا وهي التقمص العاطفي أو التعاطف. التقمص العاطفي هو القدرة على فهم الآخرين فكرياً, عاطفياً و نفسياً. إذا كان النرجسي العميق منهمكاً في التفكير بنفسه و الحصول على الانتباه والاهتمام المفرط فإن المتقمص العاطفي يسعى إلى العكس دائماً. المتقمص العاطفي يسعى كي يفهم الآخرين بشكل عميق, يستمع إلى أفكارهم و يحاول أن يرى العالم من منظورهم الثقافي. وبهذا الشكل يستطيع أن يتقبل آراء الآخرين.عادة ما يتميز المتقمص العاطفي بأن طاقاته متجهة نحو الخارج وهذا يعود إلى أن ذاته صلبة بما فيه الكفاية, فهو يملك الثقة والاستقلالية.
إن أحد أهم خواص المتقمص العاطفي هي الأستماع بشكل عميق للآخرين وعندما نتفهم الآخرين يبدؤون هم بدورهم بإعطائنا التقدير, الاحترام و الأهتمام. لذلك يعتبر التقمص العاطفي أحد أهم المهارات الاجتماعية. فإذا كان يريد طفلك اللعب يجب أن تدرك أهمية هذا الأمر في عالمه الخاص قبل أن ترفض ذلك وهذا يتطلب التقمص العاطفي و في الجدال تحتاج التعاطف لكي تقول في النهاية: “أنت ترى الأمر من وجهة نظر أخرى”. إن أحدى الطرق لتقوية التقمص العاطفي هي لغة الجسد, قراءة تعابير و إيماءات الآخرين, وهذا يسهل بدوره علينا فهمهم.
إن التعاطف قوة بيد من يملكها. هي قوة تستطيع تدمير النرجسية التي في داخلنا. هي قوة اجتماعية تجعلك تتفهم الآخرين وهي قوة تحول حب الذات إلى حب الآخرين. التقمص العاطفي هي أن تكون الشخص الآخر. ربما كانت مقولة والت ويتمان من أدق التعاريف للتقمص العاطفي عندما قال : ” أنا لا أسأل المصاب كيف يشعر…. أنا بنفسي أصبح المصاب”.