يوماً بعد يوم تشهد الكرة الأرضية على غزو الذكاء الاصطناعي لأصغر تفاصيل حياتنا اليومية والمهنية، حتى أصبح العالم الرقمي جزءاً لا يتجزأ من هويتنا المُختَرقة، لتنعدم الأسرار والحياة الخاصة والميول والرغبات والأماكن المفضلة والأطعمة اللذيذة بسبب التكنولوجيا، فسرعة التطور باتت تشكل تهديداً صريحاً بفناء مستقبل البشرية، من خلال تناقص أعداد البشر في القطاعات الوظيفية التي ستحتلها الروبوتات.
فهل سنصل إلى عصر يواكب التطور ويحقق نجاح اقتصادي وميزانية مرتفعة، من خلال الاستغناء عن خدمات البشر مقابل منح الروبوتات ميزة أعلى من البشر، ومن خلال كفاءة اقتصادية أكبر وخدمات أعلى وكلفة أقل؟
وظائف آلية
توضح بعض الشركات فوائد الروبوتات وميزاتها بالنسبة للاقتصاد المستقبلي، حيث أن الشركات ستكون قادرة على الاستغناء عن 10 عمال مقابل روبوت واحد، ما يساهم في خفض التكاليف نحو 60%. مع العلم أن هناك مكبرات صوت آلية، ومقاطع فيديو ذكية وإعلانات تسويقية تجارية، وبطاريات سيارات كهربائية، وعمال نظافة وسائقي شاحنات وطائرات، ومئات الاختصاصات التي كانت حكراً على البشر ونجحت الروبوتات في تنفيذها.
وحسب تقرير موقع تلغراف، إن أبرز الوظائف التي سيحتلها الذكاء الاصطناعي هي: خدمات التسويق عبر الهاتف، وموظفي المكاتب والمصارف والبنوك ووكلاء العقارات والسكرتاريون القانونيون والطهاة والسائقون.
آراء اختصاصيون وعلماء
يعبر ألكسندر إيليتش المدير الإداري لمعهد الذكاء الاصطناعي الفيدرالي العالي في زيورخ، عن رأيه بأن الآلات أصبحت أكثر قدرة على أداء مهام تنفيذية كانت تنحصر سابقاً ضمن اختصاصات البشر فقط. وفي الوقت الراهن، يحرص المعهد على وضع الذكاء الاصطناعي في مكانة تدعم الأشخاص ولا تَحلّ محلهم، ودائماً يرفق التغيير بشكوك وعدم يقين، ومن الضرورة معرفة أن التقدم التكنولوجي سيغير مجتمعاتنا للأفضل.
كما يحذر كارل فراي، مدير أكسفورد للتكنولوجيا والتوظيف، من أن عملاء شركات التأمين هم الأكثر عرضة للخطر، ويليهم في المرتبة الثانية موظفو الإقراض، ومحللو العمليات الائتمانية، فعدد كبير من الوظائف يمكن الاستيلاء عليها من قبل الروبوتات.
بدورها استطلعت كاتيا غريس، الباحثة المساعدة في معهد مستقبل الإنسانية في جامعة أوكسفورد، في مشروع الذكاء الاصطناعي؛ آراء أكثر من 300 عالم لتعرف إجاباتهم بشكل تنبؤات حول المدة التي قد تستغرقها الآلات لتتفوق على البشر، وكان من بينهم “يان ليكان” مدير أبحاث الذكاء الصناعي في شركة فيسبوك، ومصطفى سليمان في شركة غوغل، وزوبن كهرماني، مدير مختبرات الذكاء الصناعي في شركة أوبر. وفقاً لـ “بي بي سي”
وعبّر الباحثون عن توقعاتهم بوجود فرصة بنسبة 50٪ للروبوتات حتى تتولى وظائف الإنسان في غضون 120 عام.
وفي هذا الإطار يعبر “جيرمي ويات” أستاذ الروبوتات والذكاء الصناعي في جامعة بيرمنغهام عن قلقه وتشككه حول المدة الزمنية للمهام التي تنطوي على التعامل مع أشياء مادية ملموسة، فإجراء تجارب في المختبر يختلف تماماً عن إنشاء روبوت مصمم لأداء وظيفة معينة في العالم الحقيقي بدلاً من الإنسان.
وهنا نستذكر قول عالم الفيزياء الراحل ستيفن هوكينغ أن البشر يتطورون ببطء شديد، ولكن التكنولوجيا تتطور بسرعة كبيرة، بحيث لا يمكن للبشر أن تجاري ثورة الذكاء الاصطناعي، وقفزة التكنولوجيا بهذه السرعة مؤشر تنبؤي لنهاية الجنس البشري، وختم قوله بأن الذكاء الاصطناعي هو إما أفضل شيء أو أسوأ شيء على الإطلاق يحدث للبشرية.
دراسات وأبحاث
حسب دراسة أجرتها مؤسسة “ريفورم” لأبحاث الخدمات العامة، قالت أن الروبوتات الناطقة ستحتل نسبة تتجاوز الـ 90٪ من الموظفين الإداريين في الدولة البريطانية، التي يتجاوز عدد كادرها الإداري 120 موظف، وينتج عن ذلك توفير ملياري جنيه استرليني حتى حلول عام 2030.
وأجرت شركة الاستشارات “برايس ووتر هاوس كوبرز” دراسة قالت بها أن الروبوتات والذكاء الاصطناعي ستؤثر بنسبة 30% من وظائف المملكة المتحدة بحلول 2030.
كما صرّح علماء عن إمكانية نجاح القسم المتعلق بالمشاعر لدى الروبوتات عام 2050، ليصبح أمر الارتباط والزواج أمراً عادياً في المستقبل، على الرغم من خيالية الفكرة حالياً، وقد تعرضت هذه الدراسة لهجوم واسع لأنها تنافي العقل والمنطق، فمهما تطورت التكنولوجيا ومهما كانت ردود أفعال الآلة مقنعة إلا أن ذلك لا ينبع من ماهيتها، وفي النهاية المشاعر لا تمثل جوهرها وإنما تعتمد على كمية البيانات المخزنة لديها سابقاً، أو المشاعر المتلقاة من قبل مطوريها.
وتتقاطع هذه التنبؤات مع فكرة الفيلم الألماني “أنا إنسانك” الذي عُرض عام 2021، وكان يحاكي المستقبل البعيد حول فكرة اتخاذ إنسان آلي كشريك حياة. وحتى لو بدت هذه الأفكار خيالية لكن قبل قرن كانت فكرة الهاتف المحمول مجنونة وخيالية أيضاً! وهذا ما يؤكد عليه الباحث في علوم الطاقة الماستر “تمام حسن”، فكيف ستقنع العقل البشري المحدود أن كتلة من المعدن اسمها “طائرة” تستطيع أن تطير بك إلى أي مكان خلال ساعات، وخصوصاً أنها خالية من الوقود، وهو ببساطته لا يعرف سوى الحطب؟ سيظنك مهرطق، وسيدعوك بالدجال أو الأحمق، وقلة من البشر يمتلكون الإنفتاح الكافي والمخيلة المناسبة والوعي، لفهم حقيقة الأشياء وماهيتها، وقبول أي فكرة مستقبلية، حتى لو كانت خيالية وتنافي حدود العقل والمنطق، دون الحكم بأنها مستحيلة.
تجارب الروبوتات
وإذا بحثنا في استخدام الروبوتات حول العالم، نجد أن سلسلة “وولمارت” التجارية الأميركية تستخدم إنساناً آليا لمسح البلاط، وكوريا الجنوبية استخدمت روبوتات لقياس الحرارة وتوزيع المواد المعقمة.
وحسب تقرير وكالة الصحافة الفرنسية، تم استخدام الروبوت في توصيل الطعام بالعاصمة الأميركية واشنطن، كما قامت مطاعم “ماكدونالدز” باختبار استخدام الآلات في الطبخ والخدمة.
وأفصحت شركة غوغل عن تدريب أجهزة الذكاء الصناعي لديها من خلال إنتاج الروايات العاطفية والمقالات الإخبارية الصحفية، في محاولة للمساعدة على الكتابة بشكل إبداعي أكثر. وهنا لابد أن نتعرف على روبوت يدعى “بنجامين” يتدرب لكتابة سيناريوهات قصيرة لأفلام الخيال العلمي.
كما أنشأت “مايو كلينيك” في الولايات المتحدة الأمريكية 60 خطاً للذكاء الإصطناعي بفرق صغيرة تعمل على تسريع إنتاج تطبيقات ذكية للوصول إلى قراءات أفضل للمؤشرات الحيوية التي يمكنها التنبؤ بصحة المريض.
وحسب بول رينكون (مراسل بي بي سي) للشؤون العلمية، استخدم الباحثون برنامجاً للذكاء الاصطناعي يدعى “ألفافولد”، للتنبؤ بهياكل البروتينات التي ينتجها الجسم، ونجحوا في التنبؤ بوجود 350 ألف هيكل لبروتينات بشرية، وأخرى تعود لكائنات حية.
وأيضاً أعلن فريق من شركتي “آي بي إم” و”فايزر” عن تدريب نماذج الذكاء الاصطناعي على اكتشاف العلامات المبكرة المشيرة إلى الإصابة بمرض الزهايمر عن طريق تحليل الأنماط اللغوية التي تحكم استخدام الكلمات.
أول كائن من جنس الروبوتات
أصبحت صوفيا أول مواطن في العالم من جنس الروبوتات البشرية بعد اعتراف المملكة العربية السعودية بها ومنحها الجنسية أواخر عام 2017 باعتبارها رمز من رموز مستقبل الذكاء الاصطناعي. وشاركت صوفيا لأول مرة في ملتقى ثقافي مهني لتبادل الأفكار عُقد في الإمارات.
حيث استضافت دبي مشاركة صوفيا كأول مواطنة من جنس الروبوتات البشرية في مؤتمر متخصص للمدققين الداخليين في مركز دبي التجاري العالمي، وذلك تأكيداً على أن التكنولوجيا المستقبلية تشكل مستقبل التدقيق الداخلي.
خطورة الذكاء الاصطناعي
بما أننا نصنع منظومات الذكاء الاصطناعي لتكون نسخة أخرى من الإنسان فغالباً ستكون مثلنا، ذكية وبارعة، لكن من جهة أخرى بها الكثير من العيوب.
ودائماً يروادنا سؤال حول إنجاز المنظومات الحاسوبية الحديثة أموراً تتطلب ذكاءً بشرياً، مثل استيعاب وترجمة اللغة الطبيعية للبشر، والتعرف على الوجوه الموجودة في الصور، واقتراح الأغاني المفضلة لديك، والتعرف على ذائقتك الموسيقية أو الرياضية دون أن تفصح عن ذلك، واقتراح طلبات صداقة أو أشخاص من الممكن أن تعرفهم من خلال مكان جمع بكم، ربما مطعم أو مشفى أو شارع، والتكهن بظهور كتب تتوافق مع ميولك الأدبية، استناداً إلى كتب سابقة قرأتها ربما تتشابه مع المقترحات القادمة. إضافة لانتشار سيارات تتمتع بقيادة ذاتية تؤدي إلى منع الناس من قيادة السيارات، في محاولة لتحسين السلامة على الطرق.
يتوقع الدكتور توبي والش، أستاذ الذكاء الصناعي بجامعة نيو ساوث، أنه سيتم تجهيز دورات المياه بحيث يمكنها أن تأخذ تلقائياً عينات “البول والبراز”، كما أن كاميرا هاتفك الذكي يمكن أن تستخدم لتحديد لون جلدك وفحص عينيك، وفقاً لما نشرته صحيفة “ديلي ميل” البريطانية.
ويكمن الخوف من الذكاء الاصطناعي بأن تصبح الآلات مستقلة، ما يتسبب في فقدان سيطرة البشر قدرتهم على التحكم بها، لتصبح قادرة على احتلال مكانة البشر، وربما تنشأ حرب مستقبلية بين الآلات والبشر، ليكون هدفهم هو إبادة العرق البشري بما أنهم يعتبرون الإنسان مجرد فيروسات ضارة، ومهدد لمصيرهم.
وهنا نطرح السؤال:
هل ستسقط البشرية في فخ اختراعاتها للذكاء الإصطناعي؟