أيهما يسقط على الأرض أولًا الريشة أم الكرة؟ الفيزياء تجيبنا

أيهما يسقط على الأرض أولًا الريشة أم الكرة؟ الفيزياء تجيبنا

 

إذا أسقطت كرة وريشة معًا من مكان مرتفع، في اعتقادك ما الذي سيصل إلى الأرض أولًا؟ إذا كانت إجابتك أن الكرة سوف تصل أولا؛ فإن العلم يقول عكس ذلك.

 

أصل الفكرة

تعود أصل الفكرة إلى أبو العالم  الشهير «غاليليو غاليلي»؛ حيث كان يؤمن أن سرعة سقوط أي جسم نحو سطح الأرض لا تعتمد على وزنه إطلاقًا؛ بل تعتمد على مدى مقاومة الهواء له. فمثلًا تسقط الريشة أبطأ من الكرة بسبب مقاومة الهواء لها.

وإذا أخذنا مثال الكرة والريشة؛ فإن الريشة تسقط أبطأ من الكرة بسبب مقاومة الهواء لها، وليس لأنها أخف وزنًا من الكرة؛ حيث يكون عامل الجاذبية متساوٍ على جميع الأشياء.

لم يستطع غاليليو إثبات تلك النظرية بسبب عدم توفر الأدوات الإلكترونية أو التكنولوجيا المناسبة لذلك؛ والتي تسمح له بتفريغ وسط ما من الهواء لإتمام تجاربه فيها. لكن اليوم وفي عصرنا الحاضر الأمر مختلف؛ فقد تمكن مجموعة من العلماء بإجراء هذه التجربة فعلًا.

اقرأ أيضاً: عندما تنظر إلى السماء فأنت ترى جزءاً من الماضي؛ كيف ذلك؟

محاولات غاليليو لإثبات نظريته

أشار أرسطو من قبل وآخرون، أن الأجسام الأثقل تسقط أسرع، ولكن غاليليو بدأ يفكر بشكل مختلف في سقوط الأجسام، ويتساءل هل كان فعلًا أرسطو على حق؟

بدأ غاليليو يتأمل، ويعيد التفكير في قوانين أرسطو، وافترض أن أرسطو كان على حق. فعندما يتم إسقاط كرتين إحداهما أخف وزنا من الأخرى؛ فإن الكرة الثقيلة تصل أولًا لسطح الأرض، وهذا ما يحدث فعًلا عند إجراء التجربة؛ لكنه استرسل في تساؤلاته حتى يصل إلى الحقيقة المجردة.

فتصور غاليليو وجود خيط رفيع يربط الكرتين؛ وفي هذه الحالة يكون مجموع الكرتين أثقل من الكرة الثقيلة لوحدها. ووفقًا لأساس أرسطو؛ يجب أن يسقط مجموع الكرتين أسرع من الكرة الثقيلة فقط.

لكن عند جعل الكرة الخفيفة فوق الكرة الأثقل؛ فيجب أن تكبح الكرة الخفيفة سرعة الكرة الثقيلة على أساس أن سرعة سقوطها أبطأ!

إذًا؛ كيف يمكن حل هذا التناقض الواضح في الافتراضات؟

كان الحل الوحيد للخروج من هذا التناقض الفكري؛ هو أن يقول غاليليو أن سرعة سقوط الأجسام لا تتأثر بأوزانها خلافًا للتصور الشائع.

بَقِي أمام غاليليو تفسير واحد، وهو لماذا يحدث عكس ما فهمه سابقًا؟ فتوصل إلى أن مقاومة الهواء هي من اوهمتنا بارتباط سرعة سقوط الجسم بكتلته، وأسمى غاليليو هذا القانون بـ «قانون السقوط الحر». هذا القانون يعد بمثابة باب جديد يُفتح في الفيزياء الحديثة.

ولأن القانون لا يمكن تطبيقه على الأرض في الظروف الطبيعية؛ قام رجال الفضاء الأمريكيين بإجراء تجربة غاليليو عندما هبطوا على سطح القمر؛ والتي نُقلت في بث مباشر على شاشات التلفاز.

قال أحدهم: نحن صعدنا إلى القمر؛ ولا يمكن أن ننسى دور غاليليو، فقام بإخراج كرة رصاص من جيبه الأيسر، وريشة صقر من جيبه الأيمن ثم أسقطهما معًا من نفس الارتفاع.

سقطا الجسمين بنفس السرعة رغم اختلاف كتلتيهما. وكان هذا بعد أربعة قرون من تأملات غاليليو التي لم تكن تبدو منطقية في حينها.

التجربة خير دليل

لإثبات صحة نظرية غاليليو؛ قام عالم الفيزياء الجزيئية البروفيسور «براين كوكس» بإجراء تلك التجربة مستعينًا بفريق مركز الطاقة التابع لوكالة الفضاء الأمريكية «ناسا – NASA» في أوهايو؛ حيث توجد أكبر غرفة في العالم تُستخدم للتدريب في المهمات الفضائية، ويمكن تفريغ نحو 30 طنًا من الهواء منها.

بنيت هذه الغرفة في الستينيات كمركز نووي لاختبار أنظمة الدفع النووي، وهذا يعطيك تفسيرًا لغرابة بناؤها ومظهرها؛ حيث تم بناؤها من الألومنيوم حتى يسهل التعامل مع الإشعاعات.

ولأن الألمونيوم لا يحظى بالقوة الكافية لبناء غرفة مفرغة؛ تم بناء طبقة إسمنتية خارجية للغرفة؛ والتي تعمل كعازل للإشعاعات، وأيضًا تعمل كوعاء ضغط خارجي. بذلك أصبحت الغرفة الآن قادرة على تحمل القوة المتواجدة خارجها، عند تفريغها من الهواء.

تمت التجربة من خلال مرحلتين. المرحلة الأولى دون تفريغ الغرفة من الهواء؛ حيث قام كوكس والفريق المشارك في التجربة بإسقاط ريشة وكرة من مكان مرتفع في الغرفة.

مشاهدتهما على التجربة هي أن الكرة والريشة سقطتا بشكل متفاوت؛ حيث وصلت الكرة للأرض قبل الريشة. وتفسيرهما على هذه المشاهدة أن الهواء موجود كعامل مقاوم.

وفي المرحلة الثانية من التجربة قام العلماء بتفريغ الهواء وهذه العملية استغرقت نحو ثلاث ساعات ليتم تفريغ مقدار 300 ألف قدم مكعب من الهواء من الغرفة. وما أن تمت عملية التفريغ؛ حتى أصبح لدينا فراغ شبه كامل من كل شيء داخل الغرفة، ومن ثم تم تشغيل الكاميرات لمراقبة عملية السقوط.

نتيجة التجربة

حدث ما توقعه غاليليو تمامًا؛ فقد وصلت كلا من الكرة والريشة في نفس الوقت بالضبط دون أي فارق زمني. وهنا يطبّق قانون السقوط الحر الذي يقول:

“أنه إذا سقط جسمين مختلفين الكتلة سقوطًا حرًا؛ فإنهما يصلان لموضع سقوطهما في نفس اللحظة”.

يمكنكم مشاهدة هذه التجربة عن طريق هذا الفيديو:

https://youtu.be/E43-CfukEgs

وجهات نظر أخرى

إذا أسقطنا تلك التجربة من وجهة نظر ومشاهدة مختلفة لإسحاق نيوتن وألبرت آينشتاين مثلًا؛ فإن تفسير نيوتن سيكون أن الكرة والريشة سقطوا لأن هناك قوة تسحبهم إلى الأسفل وهي قوة الجاذبية.

بينما آينشتاين كان سيتخيل هذا المشهد بشكلٍ مختلف؛ وهو أن السبب الذي يجعل الكرة والريشة يسقطان في نفس الوقت معًا؛ هو أنهما لا يسقطان فعلًا!

وكان تفسيره لذلك سوف يكون كالتالي:

أنه إذا لم نستطع رؤية الخلفية لمشهد السقوط، فلا توجد طريقة تمكننا من معرفة أن الكرة والريشة يتسارعان باتجاه الأرض. لهذا السبب كان سيرى أنهما لا يسقطان.

وفي نهاية الأمر؛ تم التأكد من صحة قوانين السقوط الحر، وهذا يعلمنا أن ليس كل ما نراه قد يبدو حقيقيًا بالفعل، وأن التأمل والعلم هما القادرين على إظهار أيّ حقيقة مجهولة.

اقرأ أيضاً: في ثلاث خطوات … حدد بنفسك أي المهارات عليك اكتسابها في كل مرحلة من حياتك المهنية