لماذا نأخذ قرارات أفضل وأكثر عقلانية باللغة الثانية؟


why-do-we-make-better-and-more-rational-decisions-in-the-second-language
why-do-we-make-better-and-more-rational-decisions-in-the-second-language

لماذا نأخذ قرارات أفضل وأكثر عقلانية باللغة الثانية؟

التحدث بلغتين؛ يعني أن العقل يضطر للعمل بجد، وهو ما يعني أيضًا أن يعمل أكثر عند حل المشاكل. عندما تعاني من الوصول إلى حل ما حين تواجهك مشكلة؛ قم بتأمل المشكلة التي أمامك أولاً بلغتك الثانية؛ فربما سيمنحك هذا حلاً.

كيف ذلك؟ وجدت دراسة حديثة أجراها «بواز كيزار» وهو عالم نفس وخبير في مجال التواصل، تنص على أن الناس يتخذون قرارات غير متحيزة وأكثر عقلانية؛ عندما يفكرون عن طريق لغتهم الثانية. وقال «كيزار» بخصوص ذلك:

“الأبحاث السابقة لدراستنا هذه أثبتت أن الناس يقومون بفقد أشياء كثيرة عندما يقومون بالتكفير بلغتهم الأم. فهم غالبًا يتخلون عن فرص جذابة، ويرونها تضيع أمامهم. أما نتائجنا الجديدة فتشير إلى أن هذه الخسائر يتقلص حجمها، والفرص الجذابة يتم اقتناصها عندما يتخذ الناس القرارات باللغة الثانية، وليس لغتهم الأم”.

لماذا يحدث هذا؟

وجد الباحثون أن القرارات التي تكون لديها جذور في ردود الفعل العاطفية، والتي تنجم عن اللغة الأم؛ هي ما تسبب ضياع الفرص الجذابة. أما اللغة الأجنبية فهي توفر القرارات دون الاندفاع الناجم عن العاطفة.

كل يوم؛ يتعرض الجميع إلى اتخاذ قرارات مهمة. الكثير منا يخطئ في أخذ تلك القرارات؛ بداية من شراء طعام باهظ الثمن، أو شراء ساعة باهظة الثمن، أو أي شيء آخر.

يتم اتخاذ القرارات بناءً على سنوات من الخبرة، وهذا ما سيعرضك إلى المخاطرة السيئة. حيث نشرت دراسة جديدة في مجلة علم النفس تشير إلى حل واحد لتقليل تلك المخاطر وإتخاذ قرارات أفضل وأكثر عقلانية؛ وهو التفكير في القرار من خلال اللغة الأخرى.

أجرى الباحثون العديد من الدراسات مع الطلاب لاختبارات اتخاذ القرار، وفي كل اختبار كانت مجموعة فرعية من الطلاب تقوم بالتفكير في قرارات مختلفة. وجد الباحثون أنه عندما كنت تفكر  في قرار تتخذه بلغة أجنبية؛ يمكنك تقليل تأثير التحيز الخاص بك.

فالتفكير بلغة أجنبية أيضًا يزيد من احتمال اتخاذ خسارة منخفضة، ورهان عالي الربح، لأنه يغير تصورك للخسارة، ويتيح لك رؤية صورة أكبر.

اقرأ أيضاً: تعلّم لغة جديدة يساهم في نمو الدماغ

كيف تجعل معرفة لغة أخرى اختياراتك صحيحة؟

بعض الدراسات وجدت أن التعامل مع الناس في اتخاذ القرارات المهمة بلغات أجنبية؛ قد يحسن من اختيارك، ويمنحك قرارات أفضل وأكثر عقلانية. فمثًلا؛ بعض القواعد النحوية والمفردات يساء فهمها في أخذ الاختيارات والقرارات لأنها تتحول إلى مشاعر في أغلب الأحيان.

لكن في السنوات الأخيرة؛ ذهب علماء النفس إلى مكاتبهم مجتمعين بظاهرة لم تتم مناقشتها تاريخيًا إلا في مذكرات كتبها ثنائي اللغة مثل «فلاديمير نابوكوف وإيفا هوفمان»؛ حيث ذكروا أن التحدث بلغة أجنبية تُشعر بأنها أقل عاطفية من اللغة الأم.

بالنسبة للعديد من اللغات المتعددة؛ لا يؤدي القسم في لغة أجنبية إلى إثارة نفس القلق، أو جلب نفس الانفعالات العاطفية إذا أديته باستخدام لغتك الأصلية. ففي اللغة العربية مثلًا؛ لا يصدقه الكثير، ولكن عندما يقسم لك شخص باللغة الأجنبية يصبح صادقاً لأنهم قليلًا ما يستخدمونه. انخفاض العاطفة في لغة أجنبية أمر جيد في التفكير في القرارات.

«بواز كيزار، سايوري هاياكاوا، وسون غيو» من جامعة شيكاغو؛ سألوا هذا السؤال في ورقة نُشرت مؤخرًا في علم النفس: لماذا نأخذ قرارات أفضل وأكثر عقلانية باللغة الثانية؟

لهذا اعتبرت اللغة تقليديًا وسيلة لنقل المعلومات. وفي الواقع؛ قال عنها «تشومسكي»: تتميز اللغة بأنها الجبر العقلي.

افترض الباحثون أن الناس الذين على درجة عالية من الكفاءة؛ لن يتأثروا باختلاف اللغة في اتخاذ القرارات. لكن ينصح الباحثون باستخدام لغة ثانية عند الإجابة على أي سؤال مصيري، أو اتخاذ قرار صعب.

على سبيل المثال؛ الطلاب الصينيون الذين يدرسون في الولايات المتحدة عندما وُضعوا تحت هذا الاختبار وأجابوا باللغة الصينية؛ كانت المشاعر تسيطر عليهم مثل الإعتزاز وتقدير الذات. لكن عند الإجابة باللغة الإنجليزية؛ تختفي المشاعر ويصبح القرار الأفضل والأكثر عقلانية هو السائد.

أجرى الباحثون بحثاً آخر للتأكيد على تلك النظرية، فقد تم جمع بعض الأشخاص على طاولة للعب القمار والرهان بالمال. وبدأ الرهان باحتمالية الفوز بـ 12$ مقابل أن يفقد الشخص 10دولارات؛ و أتاحوا لمجموعة من الأشخاص التفكير بلغتهم الأم، ومجموعة أخرى التفكير باللغة الثانية لديهم.

كانت النتيجة هي أن الأشخاص الذين قاموا بالتفكير بلغتهم الأم؛ وجدوا أن هذا غير منطقي، وأنهم لن يكسبوا أي شيء، وأن هذه اللعبة خاسرة، وتلك مجازفة. أما من استخدموا اللغة الثانية في التفكير؛ قبلوا الرهان، وهذا يفسر أن التفكير المنطقي يكون أكثر عند استخدام لغة أجنبية ثانية.

وفي مجال آخر؛ قام الباحثون بعرض سيناريوهات لأفلام مكتوبة بلغتهم الأم، وسيناريوهات أخرى مكتوبة بلغة ثانية. اشتركت السيناريوهات في الشبه؛ فوجدوا أن الناس الذين قرأوا السيناريوهات بلغتهم الثانية؛ لم يتأثروا بالسيناريو ولم تغلبهم المشاعر أو العاطفة، أما من قرأوا السيناريو بلغتهم الأم؛ تأثروا وكان لديهم الكثير من المشاعر تجاه ما يقرأون.

يقوم علماء النفس بتقديم العلاج مع مستشار ثنائي اللغة بشكل متزايد في الولايات المتحدة لمن يطلبون العلاج النفسي، حيث أن التحدث بلغة أجنبية في بعض الأحيان في العلاج النفسي مفيد للغاية؛ فهو يجعلك تتجنب المشاعر والأحاديث المرتبطة بالحياة أو الموت والتي يجب تجنبها في العلاج النفسي.

هذه الطريقة؛ تجعلك أكثر قابلية للعلاج مما تشكو، لكن إن عدنا إلى قضية صنع القرار التي درسها فريق في شيكاغو فإن استخدام لغة أجنبية في صنع القرارات؛ يصبح أفضل وأكثر منطقية.

في النهاية؛ علماء النفس يوصون باستخدام لغة ثانية عند اتخاذ قرار، وقد أوضحنا أمثلة كثيرة على ذلك، لكن يبقى الاختيار لك، فهل  تتجنب العاطفة وتأخذ القرار الأفضل، أم لا.

اقرأ أيضاً: كيف تتعلم أي لغة

 


    Like it? Share with your friends!