أنت تعلم أن التدخين مضر للصحة وينبغي تركه. أنت تعلم أن ممارسة الرياضة أمر ضروري. وأنت تعرف كذلك أهمية العمل والتعليم. أنت في الحقيقة تعلم الكثير, رغم ذلك تقوم بفعل القليل. هذه المشاكل هي أمثلة توضح ضعف في ضبط النفس. نحن نعرف أهمية ضبط النفس لكننا نفشل في السيطرة على أنفسنا. لماذا يا ترى؟ إذا كنت قد أجبت بين نفسك شيئاً من هذا القبيل: ” لأننا لا نستطيع كبح المشاعر ولا نستطيع أن نكون عقلانين وواقعين ” فأنت تكون قد أسأت مفهوم ضبط النفس وذلك لأنه يعتمد على العكس: المشاعر.
إن الكثير منا يرى مشكلة “ضبط النفس” مشكلة عاطفية. فلكي تكون عقلانياً يجب ألا تخضع لمشاعرك لا وبل يجب أن تدمرها. إننا نظن أن الشخص العاطفي هو شخص ضعيف, شخص لا يستطيع أن يعمل لمدة ثلاث أسابيع من دون أن يرى عائلته, وشخص لا يدرك معنى الواقعية. إن الكثير من رجال الأعمال يصوَرون وكأنهم روبوتات تعمل ليل نهار, من دون عواطف. والمضحك هو ماذا نفعل نحن؟ نقوم بالتصفيق لهؤلاء ظنّاً منا أنهم على صواب. فالصورة التي ترسم في المجتمع هذه الأيام هي: لكي تنجح في حياتك المهنية تحتاج أن ترمي عواطفك جانباً. وهنا تأتي مشكلة الكثير من كتب التنمية البشرية وتطوير الذات, خاصة تلك التي تبدأ بـ ” كيف”, كيف أنجح في الحياة؟, كيف أقنع الشخص الآخر؟ و كيف أصبح غنياً؟. هذه النوعية من الكتب تسعى دوماً إلى إقناع القارئ لكي يصبح عقلانياً, وهذا يأتي عن طريق اضطهاد المشاعر وكبحها. لكن هذا معتقد شائع وخاطئ في نفس الوقت. فأنت تعرف منطقياً أن التدخين مضر مع ذلك لا تستطيع حرمان نفسك منه وأنت كشخص عقلاني تدرك أهمية الرياضة لكن لا تقوم بذلك. كما ذكرت سابقاً, مشكلة السيطرة على الذات هي مشكلة عاطفية وليست فكرية. فنحن لا نمارس الرياضة لأننا منشغلون بأمور أكثر أهمية بل لأننا لم نصل بعد إلى ذلك الشعور الرائع الذي يأتي بعد التمرين وكذلك الأمر بالنسبة للتدخين. فأنت لا تستطيع تركه ليس لأنك لا تدرك بعد خطر التدخين على حياتك بل لأنك ستشعر بحالة أسوأ إذا تركته.
يجب أن تفهم أن المشاكل العاطفية لا تحل عن طريق الحكمة بل عن طريق المشاعر نفسها. هذا ليس كلامي, بل كان أساس عدة أبحاث قام بها طبيب الأعصاب الشهير أنطونيو داماسيو.
داماسيو توصل إلى أهمية العواطف عن طريق أحد المرضى. المريض كان يدعى إيليوت و قد أجرى عملية لإزالة ورم سرطاني في الدماغ. العملية تمت بنجاح وعاد إيليوت سليماً معافى. بعد مضي فترة من الزمن بدأ إيليوت يتصرف بشكل لا مبالي. فقد كان لا يبالي ما يحدث معه في العمل أو في المنزل. كان لا يبالي إذا لم يذهب إلى المؤتمرات أو لم يظهر الاهتمام تجاه العائلة. إيليوت كان بشكل أو بآخر قد فقد ضبط النفس كلياً على الرغم من أنه كان سليماً فكرياً. فقد أظهر نتائج باهرة في عدة اختبارات منها: المنطق, الحساب, الذاكرة, الذكاء و الأخلاق.
إيليوت بنفسه كان على إدراك تام بما يفعله لكن لم يستطع فعل أي شيء. في النهاية و بعد فشل الكثير من الأطباء, توصل داماسيو إلى استنتاج: القسم الفكري من الدماغ لم يتضرر أثناء عملية إزالة الورم السرطاني, وإنما القسم العاطفي قد تضرر. لكن لماذا لم يستطيع إيليوت ضبط سلوكه عندما كان يدرك ما يفعله؟ فالنتائج أظهرت أنه سليم من الناحية الفكرية. هو كان بإمكانه أن يفهم ,على سبيل المثال, أن زوجته أهم من فلمه المفضل وكان على الأقل يستطيع ضبط سلوكه لأنه في النهاية يستطيع أن يدرك فكرياً ما هو المهم وما هو غير المهم. لكن إيليوت فشل في السيطرة على ذاته. الحقيقة هي أن القسم الذي يهتم بالعواطف قد تضرر لدى إيليوت وأن العواطف هي التي تؤثر بشكل كبير في السيطرة على أنفسنا.
إذاً كيف تسيطر على ذاتك من خلال قوة القسم العاطفي من الدماغ؟
هذا يبدأ بالتفاوض مع العواطف. سوف تستخدم منطقك( القسم الفكري) وتتفاوض مع عواطفك. لنفترض أنك تعشق الاستيقاظ باكراً لكن تفشل في هذا كل صباح. لذا لكي تستيقظ باكراً ربما عليك بتخيل المشاعر الرائعة التي سوف تأتي عندما تفعل ذلك أو ربما الرضى الذي سوف يغمرك عندما تنجز الكثير في الصباح. يجب أن يكون التخيل شعوراً. أبدا بشكل سهل ودون ضغوطات (ربما تطمح إلى الاستيقاظ في الخامسة لكن ابدأ على سبيل المثال بالسابعة). وإذا شعرت بالتعب عند الاستيقاظ. لا بأس, يمكنك الانتظار للمرة القادمة. عليك بالوصول لمرحلة تفهم بها مشاعرك. وإذا نجحت في الاستيقاظ باكراً سوف ترد المشاعر إما بشكل إيجابي أو سلبي. إذا كان الرد إيجابياً, استمر على نفس المنوال, لكن لا تزد الضغط على نفسك. أما إذا كان الرد سلبياً, تريد النوم مثلا, تقبل الأمر ( لقد كتبت مقالة كاملة حول هذا الأمر اقرأ مشلكة السعي وراء السعادة) واستمر بالتفاوض مع المشاعر, تخيل على سبيل المثال كم ستكون سعيداً عندما تستفيق في الصباح الباكر. لكن لا تحارب المشاعر السلبية عندما تفشل, “لماذا لا أستطيع الاستيقاظ بشكل مبكر؟”. بشكل عام: استخدم المشاعر عندما تعالج عاداتك السيئة وهذا يبدأ بالنقاش مع المشاعر. بعدها سترد المشاعر إما بشكل إيجابي أو سلبي. إذا كان الرد سلبياً تقبل تلك المشاعر السلبية من دون أن تحاربها. هذا التكتيك قد يناسب مع أي عادة : التدخين, الغضب, الرياضة, الدراسة, الإدمان, الحسد, الحقد…إلى آخره.
لكن لا تسئ الفهم عندما أقول افهم العواطف لكي تسيطر على عاداتك اليومية. يجب أن يكون هناك توازن بين العاطفة و المنطق. فإذا سيطر المنطق علينا بشكل كامل نفقد السيطرة كما ذكرت مسبقاً وإذا سيطرت العاطفة علينا بشكل كامل نصاب بالعمى. نبدأ بالسعي وراء ما يرضينا سواء كان إيجابياً أو سلبياً. ذلك قد يؤدي إلى تبني مبادئ وقيم أخرى. فقد يصبح الإدمان على المخدرات شيئاً رائعاً لأنه يشعرنا بالرضا وقد نقيم الناس بالشكل الذي نريد حسب أهوائنا. إن التطرف بكافة أشكاله هو سبب ناتج عن سيطرة العاطفة بشكل كامل على الدماغ. فالجماعات المتطرفة دائماً ما تسعى إلى أن تغلق المنطق لدى مؤيديها, لأن القسم الفكري من الدماغ يحاول دائماً أن يصحح مسار العواطف. لذلك يجب أن يوجد توازن بين القسم العاطفي و الفكري. هذا يحتاج إلى التدريب. البعض مسيطر من قبل العواطف والبعض من قبل التفكير. لذلك الأمر لن يكون في غاية السهولة.
الإغريق كانوا يشبهون العلاقة بين العقل والقلب كالعلاقة بين الفارس وفرسه. الفرس كان يمثل المشاعر والعقل كان يمثل الفارس. من دون الفرس لن يكون هناك قيادة ومن دون الفارس لن يكون هناك توجيه. الاثنين يحتاجان بعضهما. لكن ما يحدث في الغالب هو أن الكثيرين يتركون الفرس دائماً في الإسطبل ظناً منهم أنه بلا فائدة.
المصادر :
- قوانين الطبيعة البشرية, روبرت غرين
- خطأ ديكارت, أنطونيو داماسيو
- الخراب, مارك مانسون
- فن اللامبالاة, مارك مانسون