لا نبالغ إذا قلنا إن التأثير في الجمهور هو أعلى درجة في مهارات الإلقاء؛ فإذا أردت أن تصل إلى قوة التأثير عليك أن تجمع بين فن الإلقاء وفن الإقناع، وأن تتقن مهارات شد الانتباه، وأن تستعمل باحترافية أدوات إيصال المعلومات، والنتيجة من ذلك كله هي قدرتك على أن تُفهم الناس ما تقول، وتُقنعهم بما تريد، وتوجههم نحو الهدف الذي تصبو إليه، وهو ما نصطلح عليه بـ (قوة التأثير Power of Influence) .
تنطلق قوة التأثير من أربعة عناصر رئيسة؛
هي : الشغف Passion ، والثقة Confidence ، والشخصية الجذابة Attractive personality، وأدوات الإلقاء Presentation Techniques ، وربما يتداخل بعض هذه العناصر مع البعض الآخر، فالشغف قرين الثقة، والعكس صحيح، وأدوات الإلقاء هي تعبير حقيقي عن الشغف والثقة لمن يحسن استعمالها، إلا أن ثمة تمايزاً بين هذه العناصر جعلنا نضعها في رتب مستقلة .
الشغف Passion
الشغف هو أعلى درجات الحب، ومنه تنبثق الحماسة في الإلقاء، فكلما كان المحاضر أكثر شغفاً أو التصاقاً بالموضوع، كان أكثر حماسة عند الحديث عنه، والحماسة تلهب في الجمهور المشاعر، وتستثير الانتباه والتركيز، وتقود زمام العقل إلى الاقتناع بما يُطرح من أفكار ومعلومات، فاحرص أن تتكلم بحماسة وعاطفة، وابتعد عن البرود في الحديث فإنه يطفئ نار التفاعل مع الجمهور .
الثقة Confidence
يتملك الجمهور حاسة رصد دقيقة لحالة المحاضر أو الخطيب، فيتفاعلون بإيجابية وثقة مع المحاضر الذي يلمسون في شخصيته الثقة والاطمئنان، ويشككون في كل معلومة أو فكرة تصلهم من الشخص المتردد الذي لا يُلقي المعلومة بثقة وتمكن .
للثقة مصادر عدة؛ من أهمها:
التمكن العلمي
ويعرفه بعض الباحثين بأنه القدرة على الحديث في موضوع معين لمدة ساعة كاملة دون تحضير مسبق، فالتمكن يعني الاحاطة الكاملة بالموضوع، والخبرة المتراكمة حول خلفياته وتفرعاته، وسرعة البديهة في الاجابة عن الأسئلة والمداخلات، فالمحاضر المتمكن علمياً يُعدّ شخصية ساحرة لكثير من أصناف الجمهور، ويستطيع بيسر وسهولة إحداث التأثير فيهم، وإقناعهم بما يُلقي عليهم من أفكار ومعلومات .
ومن مصادر الثقة اللغة السليمة
فالمحاضر المتمرس في أساليب الكلام، والمتمكن من توظيف الألفاظ في محلها، والخطيب الذي لا تعييه المواقف عن التعبير عنها والكلام فيها، يكون أكثر ثقة من ذاك الذي يتحير أو يتردد في حديثه، أو يتلعثم بسبب نسيان الكلمات، والحيرة في ترتيب الجمل .
اقرأ أيضاً : فن التعامل مع الاخرين بنصائح سحرية جدا
أدوات الإلقاء Presentation Techniques
ومن أهمها مهارات استعمال الصوت ولغة الجسد، وهذه الأدوات هي العنصر الأبرز في قوة التأثير، فالشغف والثقة إنما يظهر تأثيرهما في الاتصال الصوتي والجسدي، والرسائل الايجابية والسلبية يصل معظمها إلى الجمهور عن طريق هذين العنصرين المهمين .
يُعدُّ التنغيم (Intonation) من أهم مهارات الصوت، ونقصد به نقل المشاعر مع الصوت، فالمحاضر أو المتحدث الناجح هو الذي ينجح في توظيف ذبذبات الصوت لنقل الكلمات مع المشاعر، فيُغير من نبرة أو سرعة الصوت صعوداً ونزولاً ليخدم الهدف الذي يريد، فالحزن له نغمة، والفرح له نغمة، والثقة والاطمئنان لها نبرة مميزة، والخوف والتردد له نبرة مميزة، وهكذا الغضب والتسلط والتودد والتحذير، لكل منها نغمته التي تميزه عن غيره . ويعد الحديث الرتيب أو أحادي النغمة Monotonic من أسوأ طرق الإلقاء ، وأكثرها شيوعاً عند المحاضرين، ولا سيما المبتدئين منهم، وهي طريقة حديث تشعر الجمهور بالملل بعد مرور عشرين دقيقة من الكلام .
أما لغة الجسد، فهي عظيمة التأثير إلى الدرجة التي ذكرت دراسة مهرابين – المثيرة للجدل – أنها تشكل 55% من نسبة العوامل المؤثرة في الجمهور، فاستعمال الإيحاءات ( وهي حركة الجسم والأطراف) ، أو لغة العيون ، أو الحركة ، كلها أدوات مؤثرة جداً في شد الانتباه، وإيضاح الفكرة، وإيصال المعلومة . وكما للصوت آفات، فإن للغة الجسد آفات أيضاً، فالإكثار من استعمالها سيؤدي إلى انعكاسات سلبية في تشتيت الانتباه، وحرف ذهن الجمهور عن الكلام إلى حركات بعيدة عن المعنى؛ كما إن لغة الجسد ينبغي أن تتوافق مع معاني الكلمات لا أن تتضاد معها؛ فتحريك اليدين بعيداً عن بعضهما مثلاً يشير إلى الحجم الكبير، لا يصلح أن تستعمل للدلالة على الحجم الصغير لأنه سيوصل رسائل متناقضة إلى فهم المتلقي .
الشخصية الجذابة Attractive personality
تنشأ الشخصية الجذابة للمحاضر من المرح والتودد؛ فالجمهور يميل دائماً إلى الحضور لدى المدربين البارعين في إلقاء النكت، وإضحاك الجمهور، ولا شك إن توظيف الفكاهة مهم جداً في مسألة التأثير في الجمهور، فالضحك يزيد الاستيعاب، ويشد الانتباه، وينفي الضجر والملل . ومن الصفات الأخرى للشخصية الجذابة احترام الجمهور، وتقدير احتياجاتهم من المادة العلمية أو التدريبية، والحوار معهم قبل وبعد المحاضرة .
في الختام،
إذا أردت أن تكون مؤثراً في الجمهور، فعليك أن تتكلم بشغف وحماسة وثقة، وأن تجيد استعمال اللغة وتوظيف الألفاظ، والأهم هو استعمال لغة الجسد ومهارات الصوت، وأن تكون ومرحاً ودوداً، محترماً لجمهورك، ومقدراً لاحتياجاتهم في التعلم منك بأخذ المعلومة واكتساب المهارة .
المصادر :