عن البلازما؛ عندما تغلي المادة وتتجمد في آنٍ واحد !
نعرف جميعًا أن حالات المادة الثلاث المشهورة؛ وهي الحالة الصلبة، السائلة، والغازية. لكن ماذا عن الحالة الرابعة للمادة؟ والتي نستعرض اليوم ماهيّتها؛ والتي يُطلق عليها اسم البلازما.
ما هي البلازما ؟
حسنًا، فلنفترض أن لدينا قطعة من الثلج تعرضت لدرجة حرارة؛ ماذا سيحدث لها؟ بالتأكيد ستذوب، وتتحول إلى ماء. هنا تحولت من الحالة الصلبة إلى الحالة السائلة، لكن ماذا لو تعرض ذلك السائل إلى درجة حرارة تساوي مئة درجة مئوية؟
بالتأكيد سيتحول ذلك السائل إلى بخار، وهنا تكون تحولت المادة من الحالة السائلة إلى الحالة الغازية.
إذا تعرض بخار الماء هذا إلى درجة حرارة عالية جدًا، قد تصل إلى ألف درجة مئوية أو أكثر؛ هنا ستتحول المادة إلى الحالة الجديدة «البلازما».
البلازما في أبسط تعريف لها، هي عبارة عن غازٍ متأين. فإذا نظرنا إلى حالة من حالات المادة الثلاث المعروفة؛ نجدها متعادلة أي أنها مواد غير مشحونة، أو تتأثر بمجال مغناطيسي.
فجميع ماحولنا لا يتأثر بالمجال المغناطيسي، والمياه العادية التي نشربها ليست مشحونة، أو حتى بخار الماء المتصاعد يمكنه أن يتأثر بمجال كهربائي.
أما البلازما فهي مادة مشحونة (أي تحتوي على شحنات كهربائية موجبة وسالبة)؛ فبالتالي تتأثر بالمجال الكهربائي، والمجال المغناطيسي. ونتيجة لتأثرها بالمجالين الكهربائي والمغناطيسي؛ ينتج عنها طاقة.
اقرأ أيضاً: ما الذي سيحدث إذا اختفت الشمس؟
كيف تتكون البلازما؟
لاتتواجد البلازما بشكلٍ طبيعي على سطح الأرض كمادة مستقلة؛ لكنها تصنع من الغازات الخاملة عن طريق تسخينها في درجات حرارة عالية، أو تعريضها لمجال مغناطيسي قوي، فتنفصل الإلكترونات -الشحنات السالبة- عن الأنوية -الشحنات الموجبة-، والذي يؤدي إلى تكون تيارات كهربية ومغناطيسية.
أفضل الأمثلة على ذلك، هي مصابيح النيون، حيث تعتبر تلك هي فكرة عملها الرئيسية. تستخدم البلازما في صناعة الشاشات الإلكترونية “البلازما”، حفر رقائق الحاسوب، إنتاج الدوائر الكهربائية، وأنابيب الفلوروسينت، وأنابيب اللحام.
أما البلازما الطبيعية التي تتواجد بشكل طبيعي دون تدخل الإنسان؛ فتتكون في السُّدم، والنجوم مثل الشمس، وفي الشفق القطبي، البرق. وإذا نظرنا للبرق فهو مزيج من الجسيمات المشحونة، ويتكون نتيجة تفريغ كهربي.
بهذا تكون البلازما أكثر حالات المادة شيوعًا في الكون حيث تمثل نسبة 99.19% من الفضاء الكوني.
أنواع البلازما
هناك بلازما ذات حرارة منخفضة، وأخرى ذات حرارة عالية؛ وكلاهما خطر لا يجب الاقتراب منهما. تطلق البلازما ذات الحرارة المنخفضة على البلازما التي لا تتجاوز حرارتها 4000 أو 5000 درجة مئوية، أي درجة حرارة تقترب من درجة حرارة سطح الشمس تقريبا!
وهناك البلازما ذات الحرارة العالية؛ وتلك التي قد تصل إلى ملايين الدرجات المئوية؛ مثل حرارة انفجار القنبلة الذرية. يتم الحصول على مثل هذه الحرارة في أفران خاصة جدًا، بحيث إن لامست البلازما جدران الوعاء الذي يحتويها؛ فإنها ستنصهر ببساطة.
لهذا تستخدم حقول مغناطيسية خاصة للحفاظ على المادة في وسط الوعاء أو الغرفة التي تحتويها. تعمل مجموعة من الدول مثل؛ روسيا، الولايات المتحدة، اليابان، وبعض الدول الأروبية على إنشاء مفاعل تجريبي، والذي سيعمل بحرارة تصل إلى مئة مليون درجة!
يرتبط استخدام البلازما بحلم البشرية من أجل إيجاد مصدر رخيص للطاقة، وفي حالة نجاح العلماء في ذلك؛ ستكون الطاقة الكهربائية التي يتم الحصول عليها من تلك المحطات الحرارية رخيصة جدًا.
ستغمر الأرض والمحيطات بالطاقة؛ وعندها سيتم الاستغناء عن المحطات الكهروذرية، وسيتم تفكيكها، وهو ما يحلم به كثير من العلماء.
تاريخ البلازما
كان أول من افترض أن هناك حالة رابعة للمادة هو العالم الإنجليزي الشهير «مايكل فاراداي» عام 1868م؛ حيث افترض أن المادة من الممكن أن توجد في حالة مشعة.
كان ذلك مجرد فرضية دون إثبات، وبعد ستون عامًا قام عالم إنجليزي آخر هو «ويليام كروكس» بإرسال شحنة كهربائية داخل أنبوب مليء بأنواع غاز مختلفة، وتوصل إلى تخمين عبقري حيث لم يعد في الأنبوب غاز؛ بل شيء آخر تمامًا.
هذه المادة الجديدة سماها المادة المشعة؛ ثم أطلق عليها فيما بعد اسم «البلازما»، كما سميت الأنابيب التي أجرى فيها كروكس التجارب «الأنابيب الكروكسية».
تطبيقات البلازما
في البداية استخدمت البلازما في أمور بسيطة وعادية مثل المصابيح الغازية، لكنها سرعان ما تحولت إلى مادة هامة جدًا، حيث تم استخدامها في أنابيب التفريغ، والهندسة الكهربائية، ومصابيح الراديو، واستخدامات أخرى عديدة.
وهنا تظهر شخصية جديدة هو «إيرفينغ لانغموير» عام 1929؛ والذي اعتبر أن البلازما هي الحالة الرابعة للمادة بشكل رسمي.
تدخل البلازما في العديد من التطبيقات الهامة، مثل أشباه الموصلات، مصابيح الإنارة، الميكروويف عالي الطاقة، تعقيم الأدوات الطبية، تنقية المياه من المواد الكيميائية الضارة العالقة بها، وغيرها. كما ساهمت البلازما في تكوين فهم أعمق للكون، حيث تشكل غالبيته.
وفي النهاية؛ كلما تعمق الإنسان في بحر العلم؛ كلما أدرك أكثر أنه لا يزال على الشاطئ فقط!
اقرأ أيضاً: هل بإمكاننا حقًا لمس أي شيء؟ الفيزياء لديها الإجابة