هل تظن أن علاقاتك بمن حولك قد تؤثر على صحتك؟ وهل وجود صديق مقرب منك قد يساعدك في الحفاظ على ذاكرتك من الضرر؟، من الممكن أن تشعر بغرابة من مثل هذه الأفكار ولكنها محتمل أن تكون حقيقة رغم ذلك.
هل هناك ما يؤكدها؟
في دراسة حديثة نُشرت من قبل باحثين بجامعة نورث وسترن الأمريكية، وجدوا أن هناك رابط ملحوظ بين صحة العقل لدى من هم فوق الثمانين عامًا وبين العلاقات الاجتماعية التي يمتلكوها، حيث جمعوا مجموعة من كبار السن متوسطي العمر وكبار السن ممن فوق الثمانين عامًا ومجموعة أخرى من الشباب، ولمدة 9 سنوات كانوا خلال كل عامين يجرون عليهم عدد من الدراسات الاستقصائية وبعض الاختبارات العصبية والنفسية مثل تصوير المخ وغيرها، والتي أسفرت في النهاية عن أن ذاكرة هؤلاء الكبار أفضل من الشباب الذين أعمارهم بين 20 – 30 عامًا.
كانت الدراسات السابقة تعطي أدلة على أن هؤلاء الأشخاص يمتلكون بعض الميزات المثيرة للاهتمام في مخهم، حيث أنهم يمتلكون قشرة مخية سميكة تزيد من مقاومة خلاياهم العصبية للتدهور نتيجة التقدم بالعمر، بالإضافة إلى ملاحظة كبر القسم الأيسر من قشرة مخهم الحزامية الأمامية وهي المنطقة المسؤولة عن الانتباه واتخاذ القرارات.
لكن كل هذه العلامات غير كافية لتوضح السبب وراء براعتهم العقلية الغير عادية، وهو ما حفز الباحثين في هذه الدراسة لاكتشاف العوامل الأخرى التي من الممكن أن تكون قد أثرت عليهم.
تقول إميلي روغالسكي الأستاذ المساعد في مركز أمراض علم الأعصاب الإدراكي والزهايمر في جامعة نورث وسترن والقائمة على الدراسة، “عندما بدأنا المشروع، لم نكن متأكدين بأننا سنتمكن من إيجاد هؤلاء الأفراد”، فكان التحدي الأول بالنسبة لهم هو العثور على أشخاص فوق عمر الثمانين وعلى استعداد للمشاركة، ثم تقول “واحد وثلاثون رجلًا وامرأة الآن يشاركون في المشروع، وجزء من هدفنا هو التعرف عليهم، من هم؟ وماذا يحبون؟”.
قامت الدراسة على جعل المشتركين جميعًا يقومون بملء استبيانات تتكون من 42 سؤالًا عن صحة حالتهم النفسية، وقد تشابهت نتائجهم مع كبار السن متوسطي العمر في إذا ما كانوا يمتلكون هدفًا من حياتهم أو استقلاليتهم بأنفسهم، ولكنهم أظهروا درجة عالية في أهمية امتلاكهم لعلاقات اجتماعية مرضية ودافئة وموثوقة، وهو بالفعل ما تمت مقارنته مع الدراسات الأخرى وأكدوا من خلاله وجود عامل مشترك في تقليل مخاطر إصابتهم بالمشاكل المعرفية والخرف.
اقرأ أيضاً : 5أنواع من الأصدقاء كل شخص يملكهم
تجربة إيفيلين فاينجان، 88 عام
عند سؤال إحدى السيدات المشاركات في المشروع وتُدعى إيفلين فاينجان عن أهمية الصداقة؛ أجابت: “بدون جرايس صديقتي المقربة التي أعرفها منذ المدرسة الثانوية وأصدقائي الذين يعيشون في مجمع عمارتي، كنت من الممكن أن أصبح منعزلة”، على الرغم من أن إيفلين تعاني من صعوبة ف السمع وضمور في عضلات كلتا عينيها ولكن على النقيض فهي بصحة جيدة جدًا، وتكمل “إنه لمن المهم أن تحافظ على أصدقائك، لتمسك بالهاتف وتحدثهم”، وتقول أنها تتحدث وتراسل صديقتها جرايس وأربعة آخرين من أصدقائها بشكلٍ معتاد يوميًا.
ليس ذلك فقط بل هي تذهب دومًا إلى الكنيسة، غير أنها مشتركة في نادٍ للكتب ومتطوعة في متجر لإعادة البيع بالإضافة إلى علاقتها مع جيرانها وزيارتها لأبنائها وأحفادها بصورة دائمة.
تجربة ويليام بيل، 86 عام
أحد المشاركين الآخرين كان ويليام بيل البالغ من العمر 86 عامًا، بعد أن تقاعد من مهنته في مجال المبيعات والتسويق منذ عام 1999، اكتشف أهمية أن تكون معبرًا أكثر عن عواطفك، حيث يقول “الرجال عادةً ما لا يتحدثون عن مشاعرهم، وأنني كنت من نوع الأشخاص الذين يبقون الأشياء بداخلهم، ولكنني تعلمت أن أكون منفتحًا مع الناس”، فقام بيل بعمل مجموعة صغيرة من الأشخاص كبار السن الذين تقاعدوا، والتي بدأت في الكبر مع الوقت حتى وصلت لـ 150 عضو، ثم أنشأ 4 مجموعات أخرى غيرها، ويجتمعون شهريًا لمدة ساعتين فقط، ويهدف من هذه المجموعات أن يجعل الأشخاص يتشاركون مشاكلهم الشخصية من الطلاق والمرض وأطفالهم الغير قادرين على إيجاد الوظائف وأكثر.
ويقول أنه يسعى لجعل الجميع يعرفون بأنهم ليسوا بمفردهم في مشاكلهم، كما أن كل من معه في هذه المجموعات يشبهونه بال”صمغ” الذي يحافظ على تماسك مجموعاتهم، وأنه دائمًا أول من يتذكرهم في أعياد الميلاد والمناسبات وحتى في أي حالة عزاء أو مرض.
لا يتوقف الأمر على جعلهم يتشاركون في الحديث فقط، بل يجمعهم في عدد من النشاطات الأسبوعية، مثل ركوب الدرجات لأكثر من 20 ميلًا ثم يتناولون الغداء معًا، أو السير لمسافات طويلة ثم يتجهون لشرب القهوة جميعًا، ويشارك مجموعات أخرى في لعب كرة اليد المائية وغيرها من الرياضات المختلفة.
تجربة إيدث سميث، 103 عام
سيدة أخرى من المشاركات تدعى إيدث سميث وعمرها 103 عام ما زالت كل يوم تتصل بصديقتها جونيتا التي مازالت معها منذ أكثر من 70 عامًا رغم أن صديقتها أصيبت بالزهايمر ولا تفعل أحيانًا سوى أن ترد عليها التحية فقط ولكنها تستمر في مزاحها والاتصال بها.
كما أنها تزور باقي الأصدقاء الذين تعرفهم وتساعدهم وتجلس معهم وتستمع لهم، وتشارك إحدى دور العجائز في استقبال الوافدين الجدد بالترحيب والابتسام وتجلس معهم لتتعرف على أسماءهم وتستمع إلى حكاياتهم، فتقول “العديد من كبار السن كل ما يفعلونه أن يخبروك نفس القصة مرارًا وتكرارًا، وأحيانًا كل ما يفعلونه هو الشكوى وعدم الاهتمام بما تخبرهم إياه، وهذا سيء، عليك أن تستمع لكل ما يقوله الناس”.
بدأت إيدث رحلتها تلك مع زوجها خلال مرضه ثم استمرت فيها بالحفاظ على كل أصدقائها ومساعدتهم في كل ما يحتاجونه، وجميعًا يقولون أنها ودودة جدًا ودائمًا ما يجدونها بالقرب منهم.
لذا، فيبدو أن علاقاتهم الاجتماعية هي أقوى بكثير من علاقات الكثيرين من الشباب الآن ببعضهم البعض، وهو ما ساعدهم حقًا في الحفاظ على نشاطهم وصحة عقولهم، فهل تظن أنك قادر على أن تصبح مثلهم وستبذل ما في وسعك للحفاظ على اصدقائك وتحمي صحتك؟
اقرأ أيضاً :
دراسة حديثة | وصفة لطول العمر .. لا للتدخين , و نعم للكثير من الأصدقاء !
كيف تكسب الأصدقاء وتؤثر في الناس
لماذا تبدو أنت وأصدقاؤك متشابهين إلى هذا الحد؟ هل من الطبيعي أن تبدو وجوه الأصدقاء متقاربة؟