عندما تنظر إلى السماء فأنت ترى جزءاً من الماضي؛ كيف ذلك؟
ربما قد سمعت أن الضوء يستغرق ثمان دقائق للوصول من الشمس إلى الأرض، بالطبع هذا بسبب سرعة الضوء التي تستغرق هذا الوقت للوصول من الشمس إلى الأرض. لذا إذا كان الضوء يستغرق 8 دقائق للوصول من أقرب نجم لنا؛ فكم من الوقت يستغرق الضوء للوصول إلى أعيننا، عندما يكون مصدره النجوم البعيدة؟
وإذا كان الضوء يستغرق حقًا وقتًا طويلًا للوصول إليك، كيف ترى ما يحدث حقًا هناك، أو ما كان عليه الأمر الآن هناك؟
نحن ننظر إلى نافذة تطل على الماضي
هذا صحيح، ففي كل مرة تنظر فيها إلى نجمٍ في السماء؛ فأنت تنظر إلى ما كان هناك في الماضي؛ وليس إلى الحال التي عليها النجم الآن. في الواقع؛ عندما تنظر إلى نجمٍ يبعد عنا مسافة سنة ضوئية (السنة الضوئية هي المسافة التي يقطعها الضوء خلال عام)، فإننا نرى ما تمثله حالة هذا النجم منذ عامٍ مضى، وليس وضعه الحالي.
الآن؛ أبعد نجم يمكن رؤيته بالعين المجردة هو في كوكبة كاسيوبيا، والضوء المنبعث منها لا يستغرق أقل من 4000 سنة للوصول إلينا. هذا يعني أننا ننظر إلى النجم عندما كان الماموث الصوفي لا يزال يجوب كوكب الأرض.
بمجرد أن تبدأ في العمل على التليسكوبات عالية الطاقة؛ فإن الفجوة الزمنية تبدأ بالتلاشي. فأبعد الأشياء التي رصدتها التليسكوبات؛ هي مجرة تبعد حوالي 13.4 مليار سنة ضوئية عن الأرض. هذا يعني أن صورتنا عنها أقدم من الأرض نفسها.
ما يحدث حقًا هناك، وما ليس هناك الآن
واحدة من الأسئلة الأولى التي كانت لدينا عندما بدأنا في الخوض في هذا السؤال كان هذا: أي من هذه النجوم التي نراها ليلًا لا يزال هناك بالفعل؟
يبدو أن معظمهم يمكن أن يكون قد تحول إلى نجمٍ عملاق أو ثقب أسود منذ مئات السنين، نحن لم نعرف ذلك حتى الآن.
الأخبار السيئة هي أن هناك بعض النجوم تحولت، والخبر السار هو أن معظم النجوم لا تزال هناك، فهناك نجوم تعيش لفترة طويلة -ربما بعض التريليونات من السنوات- لذا بالنسبة للنجوم الآلاف من السنوات شيء ضئيل جدًا، وربما نقطة في بحر عمرهم.
هناك نجوم تولد في الكون البعيد الآن وفي كل وقت، نحن لا نستطيع أن نرى أيًا منهم حتى الآن، لكنها سوف تأخذ مكان أي من النجوم الميتة حاليًا.
اقرأ أيضاً: علميًا: دعك من الهاتف واكتب ملاحظاتك اليومية بيدك
كيفية قياس سرعة الضوء
قبل القرن السابع عشر؛ ساد الاعتقاد بأن الضوء ينتقل لحظيًا بسرعة لانهائية. دعم هذا الاعتقاد ظنهم بأنه إذا كان للضوء قيمة محدودة؛ فلن يكون القمر، والشمس، والأرض على نفس الخط المستقيم في الخسوف القمري.
بعد الدراسات العديدة للضوء من قِبل العلماء على مر العصور؛ تم التوصل إلى أن الضوء عبارة عن فوتونات أي موجة وجسيم معًا، و كتلة الفوتون معدومة عند السكون. تُقدر سرعة الضوء ب 299,792,458 متر لكل ثانية أي ما يعادل تقريبًا 300 كم في الثانية.
بذلك يسافر الضوء لمدة ثانية ونصف خلال المسافة بين الأرض والقمر. أما المسافة بين الأرض والشمس فهي 150 مليون كم، أي أن الضوء يستغرق ثمان دقائق للوصول من الشمس إلى الأرض. كما تم إثبات أن سرعة الضوء لا تتأثر باتجاه حركة الأرض حول الشمس، وهو ما ساعد في ظهور النظرية النسبية لآينشتاين. تتغير سرعة الضوء بتأثير الجاذبية، وهو ما يولد ظاهرة عدسات الجاذبية.
محاولات العلماء لاكتشاف سرعة الضوء
جاء العالم «أوول رومر» بدراسة أحد أقمار المشتري، وتوصل إلى أن للضوء سرعة محددة. ثم درس «برادلي» ظاهرة زيغ الضوء، باستخدام الضوء الصادر من النجوم الثابتة بالتلسكوب، ودرس حركة الأرض حول الشمس.
ثم جاء العالم «فيزو» ودرس سرعة الضوء من فوق الأرض بنفس أسلوب جاليليو بأسلوب المرايا. بعدها توصل العالم «ماكسويل» إلى أن الضوء موجة كهرومغناطيسية، حيث ظهرت في نظريته الكهرومغناطيسية.
في عام 1887 اخترع عالمين أمريكيين «ميكلسون ومورلي» جهاز دقيق لقياس سرعة الضوء، وهي القيمة المستخدمة الآن، وحصلوا بسبب ذلك على جائزة نوبل في عام 1907.
في عام 1905 اشتق أينشتاين النظرية النسبية الخاصة من سرعة الضوء التي ارتكزت على أن الضوء هو أسرع شيء في الكون، ولا يمكن أن يكون هناك أي شيء أسرع منه، وأن سرعة الضوء هي أقصى سرعة يمكن أن تسافر بها كل أشكال الطاقة أو المادة في الفضاء.
إلى أي مدى نرى الماضي عندما يتعلق الأمر بالوقت؟
لو كان المراقب ينظر للأرض من كوكب يبعد عنها ألف سنة ضوئية،؛ فسوف يرى ماضي الأرض منذ ألف عام. يقوم الضوء بعبور مسافات كبيرة جدًا من النجوم حتى يتم رؤيته بسرعته التي تم قياسها بدقة والتي تبلغ 299,792.458 متر لكل ثانية.
و ابتكر العلماء طريقة لقياس المسافات في الفضاء تُعرف بالسنة الضوئية؛ وهي المسافة التي يقطعها الضوء في سنة كاملة. فعند النظر لنجم يبعد عن الأرض 100 سنة ضوئية مثلًا؛ نرى الضوء الخارج منه منذ 100 عام، أي أننا نرى الماضي.
ماضي هذا النجم نسبة إلى لحظة رؤيته، و إدراكنا له، حتى الشمس التي نراها يوميًا نراها بعد ثمان دقائق؛ أي أننا نرى الغروب والشروق بعد حدوثهم بثمان دقائق، أي جزء من الماضي.
في النهاية؛ نحن بالفعل نرى الماضي، سواءً كان هذا الماضي مقدرًا بجزء من الألف من الثانية، أو حتى بملايين السنين الضوئية، لكننا لن نستطيع رؤية ما فاتنا رؤيته بالفعل. ربما سنتمكن من هذا لو استطاع الإنسان اختراع آلة الزمن الخيالية، وتمكن من السفر بنفسه ليعيش ذلك الماضي.
اقرأ أيضاً: كيف تتذكر 90% من أي شيء تتعلمه؟