يعد التطور عملية بطيئة، ففي الجدول الزمني لأنواعنا (بني البشر)، فنحن لم نبتعد كثيرًا عن أيام حياتنا الأولى حينما كنا نعيش في مجموعات وعشائر صغيرة، ونصطاد من أجل البقاء. لم يواجه أسلافنا أكثر من ألف شخص في حياتهم. وقد بنيت أدمغتنا لهذا العالم، وليس من أجل الفناء في العمل.
تعلم الناجحون في أعمالهم كيفية تحقيق أقصى قدر من إبداعهم وكفاءتهم، وذلك من خلال تنظيم حياتهم إذ يقضون وقتًا أقل للأعمال العادية المملة، ويركزون معظم أوقاتهم على الأشياء الملهمة، والمريحة، والمجزية.
ولكن كتب عالم الأعصاب في جامعة مكغيل “دانيال ليفيتن” في كتابه الأكثر مبيعًا “العقل المنظم”: التفكير على نحو مستقيم في عصر الإغراق المعلوماتي أمر سيء، في حين أن جيناتنا لم تواكب تمامًا مطالب الحضارة الحديثة، ولحسن الحظ، فإن المعرفة البشرية جعلتنا نفهم بشكل أفضل كيفية التغلب على القيود التطورية”.
تعلّم الناجحون تعظيم قدراتهم الإبداعية والكفاءة من خلال تنظيم حياتهم بحيث يقضون وقتًا أقل على الأشياء الدنيوية، والمزيد من الوقت على الأشياء الملهمة والمريحة والمجزية في الحياة. يقدم ليفيتين عددًا من الاقتراحات حول كيفية خلق الهدوء الذي يمنح أدمغتنا أقل وقت للتفكير، حتى نتمكن من التركيز على ما يهم.
من الواضح أن إعطاء الدماغ شيئًا جديدًا قبل أن تستريح من المهمة القديمة هو أفضل نهج. ووفقًا لدراسة أجريت عام 2011، فإن الشيء نفسه ينطبق على فترات الراحة، فالأمر متروك لك لتقرر تبديل الأمور على مدار الساعة، أو استخدام الاجتماعات وفترات الغداء لتحديد موعد التبديل مع المهمة الجديدة. بغض النظر عن المسعى الإبداعي الذي تسعى إليه، سواء كان هواية أو جهد مهني، فإن مهارات التفكير الخاصة بك سوف تستفيد من فترات الراحة العادية.
ولكن كيف يمكنك خلق الهدوء من أجل منح الدماغ مهارة التركيز على المهام؟
1- وضع الأشياء في مكان واحد
يقول ليفيتن: “لقد تطورت الذاكرة على مدى مئات الآلاف من السنين لتتبع الأشياء التي لم تتحرك، مثل أشجار الفاكهة والآبار والجبال والبحيرات، وهذا هو السبب الذي يجعلنا غير قادرين على تتبع الأشياء الأخرى مثل مفاتيح السيارة، والهواتف المحمولة، والمحافظ. نحن في وضع لا نُحسد عليه بسبب الكثير من الأشياء التي ننسى المكان الذي أودعناها إياه في كل يوم”.
نستهلك يوميًا الكثير من طاقتنا العقلية من أجل إيجاد الأشياء المفقودة، ولتفادي ذلك يجب تحديد مكان لوضع الأشياء من نفس النوع، فمثلًا نحدد مكانًا لوضع النظارات، وآخر للمفاتيح، وغيره للمقصات، وهذا كله كي نخفض استهلاكنا للطاقة العقلية المهدورة أثناء البحث عن الأشياء.
2- إنشاء روابط لما تريد أن تتذكر
من المعروف أن العقل البشري يتذكر الأشياء المترابطة مع بعضها بمجرد رؤيته لأي منها، بمعنى أن تتذكر شخصًا معينًا حينما ترى ممثلًا مشهورًا، أو تتذكر موقفًا محددًا عندما ترى أحد أصدقائك. لذا يمكنك استخدام تلك الطريقة للحفاظ على طاقة الدماغ، وذلك عن طريق استخدام البيئة المحيطة بك لتذكرك بما عليك فعله.
كما يقول ليفيتن: “إذا كنت خائفًا من نسيان شراء الحليب أثناء عودتك إلى البيت، فضع علبة حليب فارغة على المقعد المجاور لك في السيارة. دماغك سوف يتعرف على العلبة عندما تقع عليها عينيك، وبالتالي سيعرف الشيء المرتبط به أي الشيء المطلوب شراؤه.
يمكنك أيضًا استخدام التحيز نحو الجديد وغير المتوقع لصالحك، فمثلما تتحمس لرسائل البريد الإلكتروني أو التنبيهات النصية، يمكنك إعداد تذكير للأشياء الهامة التي ترغب في اتخاذ بعض الوقت لها مثل: التواصل مع الأصدقاء القدامى، أو جدولة موعد مع شريك حياتك.
3- شبكة علاقات كبيرة
يقول ليفيتن: “لأن أسلافنا عاشوا في مجموعات اجتماعية صغيرة فتغيروا ببطء، لأنهم واجهوا نفس الناس طوال حياتهم، كما أنهم تمكنوا من الحفاظ على كل التفاصيل الاجتماعية التي يحتاجون إلى معرفتها في رؤوسهم”. أما الآن، فيمكنك العمل والتفاعل مع مئات الأشخاص الذين يتوقعون منك أن تتذكر أسمائهم وكافة التفاصيل حول آخر محادثة. لن يتمكن عقلك وحده من الوصول لهذا الحد من التذكر، حتى مع كتابة الملاحظات حول الناس والالتقاء بهم والتحدث معهم.
تساعد مواقع التواصل الاجتماعي (لينكد إن وفيسبوك) على تذكر التفاصيل الأساسية، كأعياد الميلاد والذكريات السنوية، وكذلك مراجعة جهات الاتصال الخاصة بك بانتظام.
4- التركيز
يمكن للدماغ البشري التبديل بين المهام، لكن ذلك مُكلف أيضًا، يقول ليفيتين: “إن الطاقة تتطلب تركيزًا أقل، والناس الذين ينظمون وقتهم بطريقة تسمح لهم بالتركيز لن يكونوا كاملين فقط، ولكنهم سوف يكونون أقل تعبَا وأقل استنزافَا من الناحية العصبية بعد القيام بذلك”.
اقرأ أيضاً : قانون الجذب | التصور الذهني و المهام اليومية
5- الإعداد والمراجعة
من الأفضل قضاء أجزاء كبيرة من الوقت للتركيز على مشكلة واحدة، ولكن نادرًا ما يتوفر هذا في أماكن العمل، فالعديد من المديرين يواصلون إجراء العديد من الاجتماعات يوميًا دون أخذ فترات للراحة، معتقدين أن الحضور قادرين على تذكر كل ما قيل. هذا ما جعل الأطباء النفسيون يلجؤون إلى تحديد جلسة العلاج ب50 دقيقة فقط، وجعل ال10 دقائق الباقية من أجل الراحة، وكتابة الملاحظات، وراحة العقل.
6- لا تتردد على الأشياء التي لا تفيدك، حتى لا تفقد تركيزك
هل تتردد على خزانة الملابس أو الخيارات الغذائية؟ إذا كان عقلك لا يستطيع اتخاذ الكثير من القرارات في يوم واحد، فمن الأفضل الحفاظ على قوة عقلك للمسائل ذات الأهمية.
7- النوم
يعد النوم السلاح السري للنجاح المعرفي عبر مجموعة من الاستدلالات كالرياضيات، والمشاكل المنطقية، والحجج، والاستنتاجات. فقد ثبت استخدام النوم لتعزيز وفهم العلاقات المجردة، لدرجة أن هناك من يتمكن من حل بعض المشكلات المستعصية بعد العثور على حلول لها أثناء النوم. ذكر ليفينين أن تعريف النوم الجيد يختلف باختلاف الشخص؛ فهناك من يفضل القيلولة، وهناك من يجد أفضل ساعات نومه في الليل، كما أن هناك بعض الناس يستيقظون لفترة من الوقت في وسط النوم، ويعودون إليه مرةً أخرى.
اقرأ أيضاً :